قصة الصحة والعلاج تستحق أن نفرد لها مساحات واسعة من النقاش، ويفترض أن تكون هناك جلسات يتداول فيها أهل المهنة والإدارة الوضع القائم، وما يتطلبه تطوير الأداء فيما يتعلق بالمستشفيات والوحدات الصحية. ونحن نستعد لتطبيق التأمين الصحى الشامل، ولا يخفى أن أحوال الصحة الحالية لا تتناسب مع طموحات الدولة والمواطنين. كل الأطراف تشكو سواء المواطن المريض أو الطبيب.
ولايمكن الحديث عن نظام صحى شامل من دون توفير قاعدة بيانات ومعلومات عن الوحدات الصحية والمستشفيات، والربط بين هذه الوحدات، ووجود برامج يمكنها تسجيل الحالات المرضية وتفاصيل المرض والعلاج والتحويل بين الجهات الأدنى والأعلى، وخريطة واضحة للنقاط العلاجية الخاصة والعامة، وبالمناسبة فإن بعض الصيدليات والمستشفيات الخاصة لديها قاعدة بيانات عن مرضاها وتاريخ كل حالة، وهو أمر يمكن نقله وتعميمه من خلال قاعدة أوسع تسهل عمليات العلاج والتحويل. ومن دون وجود قاعدة معلومات واضحة لايمكن الحديث عن تطوير للإدارة، وهو أمر لا يتعلق بالصحة وحدها لكنه يرتبط بكل التفاصيل ويساهم فى مواجهة التسرب والإهدار.
ولدينا أرشيف من محاولات بناء قاعدة معلومات من خلال ما سبق تسميته الحكومة الإلكترونية ووزارة التنمية الإدارية، ولدينا مشروع الرقم القومى والذى تم تطبيقه فى الشهر العقارى، ولا يوجد ما يمنع من تطبيقه فى المجالات المختلفة، لأنه من دون قاعدة معلومات واضحة لايمكن توقع إنجاز أى خطوة بشكل سريع. وقد تأخرت مصر كثيرًا عن غيرها من الدول فى إنجاز قاعدة المعلومات الخاصة بالإدارة والسكان.
ومن ميزات قاعدة المعلومات فيما يتعلق بالصحة أنها تتضمن المستشفيات العامة والمركزية والجامعية والخاصة، فضلًا عن أنها تبين حجم ما هو متاح من أسرة أو غرف عناية مركزة أو حضانات، والأدوية وحركتها داخل المستشفيات وهو ما يسهل ضبط ومراقبة الاحتياجات. وخفض الإهدار وإغلاق ثغرات يتسرب منها الدواء والعلاج.
هذه الأنظمة معمول بها فى دول العالم وتعمل بكفاءة، ولا مانع من أن نتعلم منها، ونحن نستعد لتطبيق نظام جديد يحتاج لإعادة صياغة لما هو قائم، والخروج من الوضع الحالى، وحتى يمكن تنفيذ ما نطمح إليه فى نظام علاجى فاعل وليس مجرد شكل.
وميزة وجود قاعدة معلومات للمستشفيات والصحة، أنها تكشف عن حالة المؤسسات الصحية، وأيضًا تكشف عن مستشفيات معطلة أو لا تعمل بكفاءة أو ينقصها قوى بشرية أو تجهيزات، بل أيضًا المستشفيات التى تم بناؤها من سنوات وما تزال خارج نطاق الخدمة ولم يتم تشغيلها.هناك مستشفيات ووحدات تم بناؤها وتكلفت عشرات الملايين، راحت فى النسيان، منها على سبيل المثال مستشفى للصدر تم إنشاؤه فى مركز بسيون غربية، وتكلف عشرات الملايين من أكثر من عشر سنين، ولم يتم افتتاحه أو تشغيله. وربما ينهار قبل أن يتم تشغيله، ومر وزراء صحة على هذا المبنى منهم من وعد بافتتاحه وتشغيله بعد توفير الأدوات والمستلزمات والأجهزة . وطوال هذه الفترة لم يظهر سبب واضح لتعطيل عمل مثل هذا المستشفى، وغيره، وغالبًا فإنه الكسل والإهمال والترهل الإدارى.
وقد أثرت موضوع المستشفى مع أكثر من وزير صحة، وهناك نواب وزملاء صحفيون أثاروا الأمر وناقشته بعض البرامج، ومن عامين تقريبًا التقيت وزير الصحة السابق فى مناسبة عامة، وطرحت عليه قصة مستشفى بسيون، وأنه معطل من سنوات، ووعد أنه سيتم تجهيزه وتشغيله فى بداية هذا العام. ومر العام ووراءه عام آخر، وظل المستشفى شاهدًا على إهدار ملايين فى الأرض والمبانى، وفى بلد بحاجة إلى مستشفى يضاف إلى المؤسسات الصحية.
وهذا المستشفى ليس حالة خاصة، لكن هناك الكثير من المستشفيات تحتاج إلى تجهيزات، ويمكن حال توفير أطباء ومستلزمات أن توفر علاجا للآلاف، ومن الصعب معرفة سبب حقيقى ومقنع لتعطيل مثل هذه المستشفيات.
اليوم مع وجود وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، وما يزال المبنى قائما، تسكنه القوارض والزواحف، ولا أحد يعرف لماذا يبقى معطلا ونحن نتحدث عن الاتجاه لتطوير مستشفيات ومؤسسات أخرى تمهيدًا لتطبيق التأمين الصحى الشامل، وهذا مبنى جاهز لا يحتاج إلا لأجهزة يمكن توفيرها بأكثر من طريقة.
وهذا مجرد مثال على نتيجة غياب قاعدة معلومات وخرائط يمكن أن تقدم حلولا وتوضح، ونحن نحاول إضافة مستشفيات جديدة أن هناك مبان تكلفت ملايين وماتزال خارج نطاق الخدمة. والرهان على أن تحاول الوزيرة حصر هذه المنشآت، وإدخالها للخدمة وهو ما سوف يحسب ضمن تأسيس البنية الأساسية لتطبيق التأمين الصحى الشامل.