يظل سيد قطب شخصية مثيرة للجدل، بسبب أفكاره الغريبة، سواء قبل انضمامه لجماعة الإخوان أو عقب التحاقه بها، وفى ذكرى إعدامه فى مثل هذا اليوم من عام 1966، نستعرض أغرب مواقفه وعلاقته القوية بالمثقفين وانقلاب حاله بعد بعثته لـ أمريكا.
بدأت علاقة أبرز قيادات جماعة الإخوان سيد قطب مع المثقفين فى الخمسينيات، حيث كان يكتب الشعر والأدب والنقد، واقترب من عباس العقاد، وكان ملازمًا له، وأسفرت تلك العلاقة على تقديم العقاد لسيد قطب عبر الصحف والمجلات، إلى أن نشب خلاف كبير بينهم بسبب رفض العقاد كتابة مقدمة أحد كتب سيد قطب.
ثم بدأ سيد قطب بعد ذلك التقرب من عميد الأدب العربى طه حسين، وكتب فى إهداء كتابه "طفل القرية" الذى أراد أن يضاهى به كتاب الأيام، قائلاً: "إلى صاحب كتاب الأيام، إلى د.طه حسين بك، أنها يا سيدى كأيامك، عاشها طفل فى القرية، فى بعضها من أيامك تشابه، وفى سائرها عنها اختلاف، بمقدار ما يكون بين جيل وجيل، وقرية وقرية، وحياة وحياة"، ولكنه لم يستمر كثيرًا فى هذا حيث قام بمهاجمه طه حسين بشكل قاسى وعنيف قائلا : "إن مذهب طه حسين هو طه حسين نفسه، أى أنه موهبة بلا امتداد وبلا تلاميذ".
ومن الغريب أيضا أنه سيد قطب كان فى هذه السنوات ملحدًا، ويقول سليمان فياض فى مقال له بمجلة الهلال- سبتمبر 1986 بعنوان: سيد قطب بين النقد الأدبى وجاهلية القرن العشرين: "إنه سمع بأذنيه من سيد قطب أنه ظل ملحداً أحد عشر عاما".
وقال الكاتب الصحفى حلمى النمنم فى كتابه "سيد قطب وثورة يوليو" ص69: "قال لى أحد الصحفيين القدامى، الذين عملوا مع سيد قطب فى مجلة (العالم العربى) أنه حتى سنة 1948، كان يتردد بين الحين والآخر على بار (اللواء) ويحتسى قليلا من (الكونياك) مشروبه المفضل».
كما يقول الكاتب الصحفى عادل حمودة فى كتابه "سيد قطب من القرية إلى المشنقة" صـ15 "أن أتباع سيد قطب نسوا أيام كان يكتب عن المرأة والعشق وموسيقى الجاز، ويدعو أن تكون مصر مستعمرات للعراة، وهم يتمنون أن يفقد من ذاكرة التاريخ ذلك الجزء من أيامه كأن لم يكن، لتبدأ قصة حياته فى لحظة الهداية والعقيدة، وبداية الطريق إلى الاستشهاد".
واستمر سيد قطب على هذا الحال إلى أن سافر ببعثة تعليمية تحت عنوان "مهمة ميدانية" فى أمريكا فى عام 1948م، وسط ذهول فى الأوساط الثقافية، لعدة أسباب أبرزها عدم ارتباط البعثة بجامعة معينة إضافة لتخطيه السن القانونى للبعثات حيث سافر وهو يتجاوز الـ 42 عاما، كما أنه لم يحصل على أى درجة علمية نتيجة تلك البعثة.
ويقول حلمى النمنم فى كتابه "سيد قطب وثورة يوليو" صـ 90: "كان سيد قطب منذ سنة 1946 يعلن كراهيته للغرب كله، واحتقاره لأمريكا واحتقاره للمصريين الذين لا يشاركونه هذه المشاعر.. فلماذا إذن قبل البعثة، ولم يترك الفرصة لغيره، إن الرحلة لم تفده ولم تفد المجتمع، وبالتأكيد فإنه حصل على فرصة انسان آخر كان يستحقها أكثر منه".
ووصف سيد قطب البعثة آنذلك بأنها فريدة من نوعها، فلم يكن مقرراً لها أية دراسة محددة أو حتى جامعة محددة، بل هى بعثة حرة فقد ترك له حق التجول فى كل أمريكا، والإقامة حيث يشاء، والالتقاء بمن يشاء، وقد بقى فى أمريكا قرابة ثلاث سنوات، حيث عاد فى صيف عام 1951.
ولكن تبدل حاله بعد عودته حيث كتب مقالا له بمجلة الرسالة عام 1951 تحت عنوان "ليلة حمراء" قال فيه: كانت ليلة فى إحدى الكنائس ببلدة جريلى بولاية كولورادو، فقد كنت عضوا فى ناديها كما كنت عضوا فى عدة نواد كنسية فى كل جهة عشت فيها، وبعد أن انتهت الخدمة الدينية فى الكنيسة، واشترك فى الترتيل فتية وفتيات من الأعضاء، وأدى الآخرون الصلاة، دلفنا من باب جانبى إلى ساحات الرقص الملاصقة لقاعة الصلاة يصل بينهما باب، وصعد «الأب» إلى مكتبه، وأخذ كل فتى بيد فتاة. وكانت ساحة الرقص مضاءة بالأنوار الحمراء والصفراء والزرقاء، وبقليل من المصابيح سالت الساحة بالأقدام والسيقان الفاتنة والتقت الأذرع بالخصور والتقت الشفاه والصدور.. وكان الجو كله غراماً".
وفى مقال آخر بالرسالة نشر فى 19 نوفمبر 1951 يقول فيه: "يبدو الأمريكى بدائياً فى نظره إلى الحياة.. تلك البدائية التى تذكر بعهود الغابات والكهوف» ويضيف فى نفس المقال «إذا كانت الكنيسة مكاناً للعبادة فى العالم المسيحى كله فإنها فى أمريكا لكل شىء إلا العبادة، وأنه ليصعب عليك أن تفرق بينها وبين أى مكان آخر، معبد للهو والتسلية".
ونرى أن هذه البعثة غيرت سيد قطب تماما وفى كتاب حلمى النمنم يذكر أن سيد قطب بعث برسالة لـ أنور المعداوى فى أوائل مارس 1950 قال فيها: تنتظر عودتى لأخذ مكانى فى ميدان النقد الأدبى؟.. أخشى أن أقول لك أن هذا لن يكون وأنه من الأولى لك أن تعتمد على نفسك إلى أن ينبثق ناقد جديد!! إننى سأخصص ما بقى من حياتى وجهدى لبرنامج اجتماعى كامل يستغرق أعمار الكثيرين» ص 89.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة