هل يمكن إنهاء الدروس الخصوصية بقرار؟، وهل الدروس الخصوصية عرض أم مرض؟.. أسئلة كثيرة مطروحة فى رؤوس الناس وهم يواجهون الإعلان عن نظام جديد للتعليم يطرح لأول مرة، ويحمل ملامح مختلفة عما هو سائد، مع الأخذ فى الاعتبار أن القلق الذى يعانيه أولياء الأمور هو قلق مشروع يتعلق بالرغبة فى الاطمئنان إلى جدارة هذا النظام بعد عقود من التجارب غير المفيدة.
ثم إن كل المظاهر تؤكد حرص المصريين على تعليم أبنائهم مهما كانت الظروف، مع رغبة فى أن يضمنوا لأبنائهم مسارات ناجحة فى حياتهم العملية.
وقد أعلنت وزارة التعليم على لسان نائب الوزير أنه سيتم تغليظ العقوبات على الدروس الخصوصية، واعتبارها جريمة فى القانون الجديد للتعليم، ولن يسمح لأى شخص بأن يمارس الدروس الخصوصية إلا بتصريح مسبق.
والسؤال المنطقى: هل يمكن بالفعل مواجهة والقضاء على الدروس الخصوصية بقانون؟.. لقد شهدنا خلال العقود الماضية عشرات التصريحات لوزراء ورؤساء حكومات عن الاتجاه لتجريم الدروس الخصوصية، وشهدنا حملات للتفتيش والمطاردة، وتمت مطاردة بعض المدرسين، لكنها كانت دائمًا ما تأتى بنتيجة عكسية، وأصبحت الدروس الخصوصية واقعًا يتحدى أى جهود للمواجهة، بل إن وزراء التعليم كانوا يعلنون رفض الدروس الخصوصية، ويرسلون أبناءهم إلى المدرسين، وقليلون هم من وجدوا شجاعة الاعتراف بمنح أبنائهم دروسًا خصوصية. وبالتالى فالعودة للتجريم تعيد تجارب سابقة فشلت فى المنع.
والسبب فى هذا الفشل كان تجاهل واقع أن الدروس الخصوصية تطورت مع الوقت، ونمت وترعرعت داخل المجتمع، والحكومة جزء منه، والتعامل بازدواجية.. المعلن أن التعليم مجانى، لكن ظهرت المدارس الخاصة، ثم الإنفاق على الدروس الخصوصية، إنفاقًا موازيًا، وموازنة مزدوجة للأسرة، واحدة للمدارس والثانية للدروس الخصوصية، والنتيجة أن الدولة تنفق والأسرة تنفق، وكان المصريون يدفعون للدروس الخصوصية أضعاف موازنة الدولة.
وظل التعامل مع الأمر بشكل عرفى، مع أن الظاهرة كانت واضحة، وأى مواجهة للدروس الخصوصية يفترض أن تتم بصراحة ومن دون إخفاء أو لف ودوران، ومادام نظام التعليم يقوم على الامتحانات، والتى تمثل غاية وليس وسيلة لاختبار التحصيل، تظل الدروس الخصوصية واقعًا يصعب الهروب منه، والحل فى تغيير المنظومة وقطع الدائرة المغلقة.
من هنا فإن الرهان هو على تغيير التعليم القائم واستبدال منظومة به، تقوم على الفهم، وتسقط قداسة الامتحانات.. النظام الجديد للتعليم، الذى أعلن عنه وزير التعليم طارق شوقى، وقال إنه يقوم على التحصيل وليس عن الدرجات، ويحتاج إلى الصبر والتفهم، لأنه يتعلق بتغيير تراكمات عقود سابقة، ومناهج وطرق تدريس وأدوات تختلف عما هو قائم، وهو ما يقلق البعض ممن يخشون تكرار تجارب سنوات متتالية أدت لنظام عشوائى فى التعليم، والمخاوف مشروعة بشرط ألا تطغى على الرغبة فى التغيير، وأن تكون هناك مساحات للنقاش والحوار، وأن يتمسك كل الأطراف بالصبر فى الشرح والتوضيح وإزالة المخاوف، وإذا نجح النظام الجديد يمكن أن تنقرض الدروس الخصوصية التى تمثل واحدة من أغرب الظواهر التى شهدها المجتمع، وهذا لن يأتى من دون تغيير الأحوال المادية للمعلم، الذى هو أحد أهم عناصر التعليم، ويوم أن تختفى الدروس الخصوصية يمكن القول إن العملية التعليمية نجحت.