تدل الدراسات النفسية الحديثة على أن الضحك والابتسام والنكتة والكاريكاتير يمكن أن يعدل بها الإنسان المزاج العام، وأن يُخفف من حدة التوتر والقلق، كما أن مشاهدة البرامج والأفلام والمسلسلات المضحكة مفيدة للصحة النفسية والجسدية، ويعتبر ذلك من الأساليب العامة العلاجية، فإن الأفراد الذين يتذوقون الفكاهة ربما يكونون أيضا قادرين على إبعاد أنفسهم عن إنذار الآلام، ومن ثم المرضى الذين شاهدوا الأفلام المضحكة كانوا أقل احتياجا إلى مسكنات الألم الخفيفة بعد عملية جراحية من أولئك المرضى الذين شاهدوا أفلاما جدية أو لا شيء على الإطلاق، لذا فالابتسام والمرح، والبشاشة، والمزاح، والدعابة والهزل والكوميديا كلها تصدر عن طبيعة واحدة فى نفس الإنسان، حيث يسرى عن النفس الكآبة والعبوس، ويبعد آلامها ولو مؤقتا مما يعيد التوازن النفسى، والضحك فى غالبه يعد تعبيرًا عن التعاطف والتفاهم المتبادل بين البشر، وهو إحدى وسائل التواصل البشرى على مدى التاريخ.
ولأن الفكاهة تعتبر من المواضيع القريبة إلى النفس فلا يخلو منها مجتمع، ولا تستغنى عنها حضارة، إنما الغرض من الفكاهة أن يجعل الحياة ضاحكة وجديرة بأن تعاش، بعيدة عن الأحزان والأشجان، فالفكاهة انتشرت على وجه الأرض وعلى مر العصور لكل شعب يعيش على هذه البسيطة ويقول بعض علماء النفس إن الضحك يستخدم الأعصاب والعضلات فهو غزيرة مهمة، والضحك حسب ما توصل إليه العلم الحديث يعيد للإنسان أنسه وأمله وطبيعته، فهو غزيرة مهمة، والضحك يفيد الجسم والعقل ويحقق السعادة والسلام النفسى، ويمنحك التجدد، ويقلل من الضغوط، ويزيد من قدرتك على التأمل والاسترخاء، ويقوى جهاز المناعة ووسائل الدفاع الطبيعية الموجودة فى الجسم، ويجعلك تبدو أكثر شباباً، ويرفع من مستوي أدائك العقلى ومن قدرتك على الاحتفاظ بالمعلومات لأطول فترة ممكنة ويقوى الذاكرة، ويذكرك دائماً بالصورة الأشمل والأعم في حياتك أي تفكر وترسم لمستقبلك بطريقة أفضل، ولعل كل تلك الأسباب وغيرها هى السر فى نجاح أى فيلم كوميدى، حيث يعتمد فى المقام الأول والأخير على بساطته واعتماده على كوميديا الموقف، وهى أرقى أنواع الكوميديا، وفيلم " ليلة هنا وسرور" للنجمين محمد عادل إمام وياسمين صبرى هو من تلك النوعية التى تحمل كل عناصر النجاح وتجعل المشاهد متأهبا للضحك الذى يفيد القلب والعقل منذ المشهد الأول، فلا شك فى أن الكوميديا الممزوجة بالأكشن والحركة هى نوعية من الأفلام تنال إعجاب الكثير من المشاهدين لقدرتها على اقتناص الضحكات بسهولة.
خلطة نجاح هذا الفيلم تعتمد على أن المشاهد سيجد كل ما يحتاجه، فالذين يحبون الرومانسية سيجدون أنفسهم أمام قصة حب رومانسية خفيفة، بحسب السيناريو الذى كتبه الثلاثى "كريم يوسف ومصطفى صقر ومحمد عز الدين" بين "محمد عادل إمام وياسمين صبري " تتخللها العديد من المفاجآت، وعلى جانب آخر من يحب الأكشن سيجده وبحرفية شديدة وإقناع تام وإتقان ، بفضل كاميرا المخرج "حسين المنباوى" ، وذلك من خلال صورة جيدة ساعده فى ذلك إنتاج سخى فى الفيلم، حيث ساهم فى توفير كل العناصر والتقنيات التى استطاع من خلالها المخرج تنفيذ الأكشن المقنع لعقل المشاهد، والجميل في الأكشن هنا فى الفيلم أنه فى بعض المواقف يخدم المشهد الكوميدى بحد ذاته، وهو ما يعد عنصرا مهما أيضا من عناصر نجاح الفيلم على المستوى الجماهيرى، وربما تبدو الحكاية فى "ليلة هنا وسرور" متشابهة مع أفلام كثيرة ركزت على النصاب الذى يخدع بعض رجال العصابات، لكنه يتوب فى النهاية ويضحى بكل شيء من أجل إنقاذ من يحبهم، لكن الكوميديا فى الفيلم اعتمدت بالضرورة على مصدرين، الأول مرتبط بأن هذا النصاب يخفى حقيقته عن زوجته ويوهمها بأنه ضابطا فى المخابرات يلاحقه الموساد، ويتضمن هذا الخط الكوميدى سخرية من أفلام الجاسوسية على طريقة مواقع التواصل الاجتماعى، أما المصدر الثاني فيأتى مرتبطا إلى حد كبير بمشاهد القتال والمعارك التى يشتبك فيها البطل مع رجال العصابة والمافيا بطريقة تمزج بين الأكشن والكوميديا، وقد نجح هذا الجانب فى صناعة مواقف مضحكة ومسلية أكثر من الأول.
نجما العمل "محمد إمام وياسمين صبرى" ثنائى ناجح جدا، بينهما انسجام وكيمياء خاصة والجمهور أحبهما معا بعد نجاح تجربتهما السابقة معا "جحيم فى الهند" نظرا لوجود الكثير من العوامل المشتركة بين الفيلمين التى تستحق التقييم، إلى جانب أن الاختلافات بينهما تسببت فى تباين مستوياتهما الفنية، لكن "محمد عادل إمام"فى "ليلة هنا وسرور" قد وصل لمرحلة النضج فى الأداء، واعتمد فى ذلك على الرقى فى تقديم الكوميديا النظيفة، والتى تعتمد بالأساس على الموقف الذى يتم وضعه فيه ليخرج من خلاله كوميديا سهلة بسيطة على طريقته الخاصة، ومن هنا فإن الذين مازالوا يتهمونه بتقليد والده ليسوا على حق، فقد استطاع النجم الكوميدى الشاب الخروج من هذا المأزق منذ فترة، وأصبح له أداءه الخاص والمختلف فى الكوميديا التى تختلط بالأكشن، ومع ذلك فلا يمكن أن ننفى وجود الجينات الكوميدية والروح فى الكوميديا ربما تكون متشابهة بين زعيم الكوميديا وابنه، اذ أن "محمد" أكد بشكل رئيس على أهمية التناول الظاهرى فى التشديد على استخدامات الجسد والصوت والإيماءة والنبرة والمحافظة على التقاليد والأساليب الحرفية التى دائما ما يستخدمها الزعيم فى أدائه، ومن هنا ستستمر دائما تلك المقارنة موجودة طوال الوقت، ولكنها أصبحت محسومة بعدما استطاع "محمد إمام"فى هذا الفيلم أن يرسم لنفسه طريقة أداء وسمات خاصة به فى الكوميديا بعيدة إلى حد كبير عن والده.
أما "ياسمين صبري" فقد شكلت معه ثنائيا متناغما وجمعت بين جمال الإطلالة فى شخصية بنت الناس المرفهة التى وقعت فى هوي نصاب وبين خفة الظل حتى فى مواقف الأكشن الذى شاركت فيه بشكل جيد، فضلا عن أنها دخلت منطقة جديدة عليها وهى منطقة الكوميديا، ولكنها استطاعت أن تثبت امتلاكها خفة ظل حينما يتم وضعها في المواقف الكوميدية على اختلاف ألوانها، وهو ما يضيف في نفس الوقت لحرفيتها كممثلة موهوبة فى الرومانسية حرفية جديدة فى الكوميديا، فجسدها ولغتها التعبيرية ذات دالات كبيرة وواضحة فى الأداء التمثيلى، وإلى جانب العناصر الأخرى المرتبطة بها كممثلة من حركة وإيماءة وإشارة وماكياچ وملابس، حيث رأينا لغة الجسد لديها تتميز على الطبيعة بقدرتها على تقديم كل معقد من المعانى والرموز، باعتباره الرمز المادى الرئيس، حيث يقدم دلالاته من خلال مظهرها الخارجي، وأفعالها، وسلوكياتها، فضلا عن مقدرتها على التعبير عن المكان والزمان، والأهم من ذلك أنها تتفاعل مع لغات أخرى لتؤكد مقولة "ميشيل فوكوه": "إن الجسد هو السطح الذى تنقش عليه الأحداث نفسها والذى تقتفى آثاره اللغة، وتقوضه الأفكار"، فالتعبير الجسدى لها كممثلة - أصبحت محترفة - الآن يتبع إعمال الذهن، ويأتى تجسيدًا للعواطف والانتقالات المحفزة لها على الإتيان بالفعل، الذى يبدو للمتلقى حاملًا دلالاتها كاملة، تماما كما جاء فى أداء "ياسمين" عبر كل حركة وإيماءة وفعل فى قلب الأحداث السريعة والمتشابكة فى ذات الوقت.
غالبية الممثلين الذين استعان بهم "المنباوى" مخرج الفيلم كضيوف شرف لا يمثلون إضافة كبيرة فحسب، بل إنهم فى واقع الأمر عناصر جذب للمشاهد، خاصة أن منهم نجوم كوميديا لديهم رصيد كبير من الحب لدى الجمهور مثل " فاروق الفيشاوي، محمود البزاوي، مصطفى خاطر، أحمد فهمي، محمد ثروت، محمد أنور، محمد عبد الرحمن وطاهر أبو ليلة"، ومن نجوم الفيلم الذين يمثلون إضافة كبيرة أيضا وعنصرا من أهم عناصر النجاح، الفنان أحمد صلاح السعدنى والفنانة رحاب الجمل والنجم القدير عماد رشاد ومها أبو عوف ومحمد سلام، هذا بالإضافة للنجم الكوميدي الكبير "بيومي فؤاد" الذى تجد الابتسامة على وجه الجمهور فور أول ظهور له على الشاشة، والضحك يكون ملازما لهم وبصوت عالى عقب كل جملة حوارية أو كلمة ينطق بها، وذلك فى إطاره العام الذى يخدم الفيلم، ولعل ذلك كان له دوره أيضا فى عدم الاعتماد على وجود أبطال آخرين يحملوا إلى جانبه مسئولية الإضحاك، واكتفى الفيلم بضيوف شرف يظهرون فى مشهد واحد أو ثلاثة على الأكثر، وأغلبهم كان بلا تأثير على الأحداث، حيث قابل مثلا "أنور" فى الأسانسير، و"خاطر" فى المطبخ، و"ثروت" فى التاكسى، وكل واحد منهم فى مشهد واحد، وهكذا، لذا جاءت مشاهد الأكشن خلال الفيلم فى مجملها جيدة للغاية، ونفذت بشكل مميز للغاية إخراجيًا، ولعل المونتاج لـ"رحيب العويلي" خدمها لتخرج بشكل أفضل.
كما يبدو ملحوظا أيضا أن شركة "سينرجى" المنتجة للعمل استعانت بمصمم المعارك العالمى "كالا"، وبالفعل والذى ظهرت له نتائج مختلفة، بل أفضل من نظيراتها فى موسم أفلام عيد الفطر، ما جعل الفيلم يتصدر قائمة الأفضل جماهيريا، حيث استخدم المخرج أجواء أفلام العصابات فى أفلام مصرية وروسية وأمريكية وهندية وهو ما يظهر فى أسلوب الأكشن الذى تدرب عليه محمد إمام وياسمين صبري على أيدي مصمم المعارك العالمي "كالوين ڤودينيشاروڤ" الذى سبق وصمم معارك لتوم كروز، براد بيت، سيلفستر ستالون، ڤاندام، بروس ويليس، شاروخان، بالإضافة لمشهد "جمعه"ببطل العالم فى المصارعة الرومانية المصرى "كرم جابر"، مثلما يستخدم كلاشيهات متكررة فى السينما المصرية مثل أن يطلق على رئيس العصابة "الحاج" بينما يمسك بسبحته ومفردات المتدينين، أو تعلن "هنا" حبها لـ "سرور" فى قمة معارك القتل أو تسأله عمن يطارده: "مين ده"؟!
فى النهاية ومن خلال مشاهدتى للفيلم أعتقد وكأننا نُشاهِد نسخة عربية مصرية من فيلم Mission Impossible، لكن اللافت للنظر هنا أن فيلم "ليلة هنا وسرور" اعتمد على حوار كوميدى بامتياز، كما اهتم صناع الفيلم بعدة عناصر أبرزها تقنية تصوير مشاهِد الحركة التى تحتاج لخبرة ودقة عالية، أيضا يبدو ملحوظا جدا أن الموسيقى والمؤثِّرات الصوتية فى هذا الفيلم، فيها قدر من بذخ الإنتاج الذى وفرته شركة "سينرجي" لصاحبها المنتج "تامرمرسى"، ولقد أثبت محمد إمام هذه المرّة عبر فيلم "ليلة هنا وسرور" أنه صاحب هوية فنية خاصة به، وبالمقارنة مع أعماله السابقة نُشير إلى أن فيلم "ليلة هنا وسرور" من وجهة نظرى النقدية، هو بمثابة الانطلاقة الحقيقية للممثل "محمد إمام" كنجم سينمائى مصرى لتقديم خط درامى يمزج بين الأكشن والكوميديا، وأتوقع له النجاح فى المستقبل القريب والمنظور، ولدينا ثقة بأنه سيتلقى "إمام" عروضاً جديدة من المنتجين بعد عرض الفيلم جراء ما حققه من نجاح وتميز، إلّا أنّه يجب عليه انتقاء أعماله بدقة وروية أكثر خلال الفترة القادمة، خاصة بعد هذا النجاح الذى حمله مسؤولية أكبر فى أعماله القادمة، فـ "محمد عادل إمام"كرس بهذا الفيلم بالفعل اسما وجمهورا، وحدد لنفسه منطقة خاصة تجمع بين الكوميديا والحركة وسط جيل من أبناء جيله، وهو يحاول أن يثبت أن الفن يمكن بمزيد من الاجتهاد والممارسة مع المساندة العائلية أن يحقق مقولة "ابن الوز عوام".