فى الأول من سبتمبر 2015 تم القبض على صلاح هلال، وزير الزراعة الأسبق، فى ميدان التحرير، ومن بين التهم الموجهة له، طلبه رشوة 10 تأشيرات للحج، وحكمت المحكمة عليه بالسجن..!!
وفى يناير الماضى، ألقت هيئة الرقابة الإدارية القبض على محافظ المنوفية، هشام عبدالباسط، بتهمة تلقى رشاوى، ومازالت القضية متداولة فى المحكمة.
بجانب القبض على المستشار وائل شلبى، الأمين العام لمجلس الدولة، فى قضية الرشوة الشهيرة، ما دفع الرجل إلى الانتحار فى الحجز..!!
وانفرط عقد الفساد بتساقط حباته بشكل سريع وغريب، فسقطت نائب محافظ الإسكندرية التى لم تخلُ كلمة من كلماتها فى الاجتماعات والمؤتمرات من أنها ستكافح الفساد، ولن تسمح به مطلقا وطوال حياتها، ثم وجدنا رئيس هيئة الجمارك، الحاصل على الدكتوراة فى مكافحة الفساد، يقود شبكة فساد كبرى لإغراق البلاد بكل السلع والمنتجات المهربة، وغير الصالحة.
أعقبها سقوط رئيس حى الدقى، ورئيس هيئة مياه الشرب والصرف الصحى، ثم رئيس حى الهرم، والثلاثة يعملون فى محافظة الجيزة، ونسأل أين السيد المبجل المحافظ كمال الدالى من مراقبة رجاله وسيطرته على انتشار الفساد؟! لن نتحدث كثيرا عما يحدث فى محافظة الجيزة من كوارث كبرى، فى عهد كمال الدالى، كنّا قد تحدثنا عنها فى ثلاثة مقالات سابقة، وننتظر فقط حركة المحافظين المنتظرة، لتقول له كلمتها: كفى ما قدمت!!
ولكن هناك ثلاث ملاحظات جوهرية تستحق التأمل والتحليل لشخصيات كل من تم القبض عليهم فى قضايا رشوة وفساد.
الملاحظة الأولى: أن جميعهم كان يظهر «شق» التقوى والورع ورسم زبيبة تحتل نصف جبهته وأمامه مصحف كبير الحجم ويؤدى العُمرة وفريضة الحج، سنويا، ويطنطن عمال على بطال بأنه الفارس الجسور فى محاربة الفساد، وقاطع الأيدى والألسنة لكل من يحاول طلب أو تلقى رشوة..!!
الملاحظة الثانية: أنه ورغم أن الأجهزة الرقابية وفى القلب منها «هيئة الرقابة الإدارية»، ومع كل ضربة توجهها للفساد، وأنها ألقت القبض على الوزير والمحافظ ونائب المحافظ ورؤساء الأحياء والهيئات الحكومية، إلا أنه لا يتعظ أو يرتدع المرتشون، ولا يدركون أن العيون والأذان ترصد كل مسؤول يتبوأ مسؤولية رسمية، مهما كان منصبه؛ الأمر الذى يؤكد أن المسؤول الفاسد، لا يتمتع بنعمتى، البصيرة، والستر، فيقع بمنتهى السهولة واليسر، ومشعلا نار الفضيحة والعار لأسرته من بعده، لتلتهمهم بشراسة..!!
الملاحظة الثالثة: تتعلق بقواعد الاختيار للمناصب القيادية، وأن هذه القواعد قديمة وعتيقة وتعتمد على وسائل تقييم بالية وروتينية، منها، الزبيبة فى منتصف الجبهة، وإظهار التقوى والورع وتأدية الفروض الدينية من صلاة بانتظام شديد، وتأدية العمرة وفريضة الحج، والصوم، وتدشين كلمات فى المناسبات الرسمية والجماهيرية، عمادها مكافحة الفساد والرشوة، بجانب، وهو الأهم، المشاعر الشخصية من حب وكراهية وخفة ظل، وأهل الثقة..!!
لم نسمع عن وسائل تقييم عصرية، ليس جوهرها رسم زبيبة فى منتصف الجبهة، ووضع مصحف ضخم على المكتب وفى السيارة وسجادة الصلاة فوق الكنبة، والحرص كل الحرص على التردد الدائم على المساجد، والاعتكاف فى العشر الأخيرة من رمضان، وتأدية الحج والعمرة بانتظام، فكل هذه الأمور، شكلية، فعلاقة الفرد بربه جوهرها النوايا وليس الشكل، والنوايا لا يعلمها إلا الله، وليس البشر، علاوة أن نظافة اليد، فرض عين، غير خاضعة للتقييم الجوهرى، فالضرورة أن كل مسؤول نظيف اليد.
التقييم الحقيقى، قائم على اختبارات مهارات صارمة وعصرية، تبرز الكفاءة والقدرات الخاصة، للمرشح، بجانب وهو الأهم، الاختبارات النفسية..!!
وبعد إسناد المهمة للمسؤول لا يمكن تركه فى الفراغ، ولكن يجب وضعه تحت مجهر المراقبة على مدار الساعة، وتقييم شامل كل 6 أشهر، خاصة للمناصب المهمة مثل الوزراء والمحافظين ورؤساء المدن والأحياء والهيئات والادارات المختلفة..!!
كما يجب على كل مسؤول منوط بالتقييم أن يتجرد من مشاعر الحب والكراهية، والواسطة، فى عمله، وأن يتمتع بضمير حى ويقظ، إذا وضعنا فى الاعتبار أن المصريين القدماء «الفراعنة»، كانوا ينزعجون من قلة الضمير، واندثار الأخلاق، لذلك دشنوا قوانين حازمة ومشددة، منها قطع «أذن» المرتشى ونفيه إلى منطقة «الفرما»، وهى المنطقة المعروفة حاليا شرق بورسعيد، وقريبة من سيناء، ليكون عبرة، لمن تسول له نفسه تلقى الرشوة، أو الحصول على حق الغير دون وجه حق..!!
يا سادة، فساد المحليات، سرطان داهم، ومميت للجسد المصرى، اذهبوا وفتشوا واسمعوا آلام ومعاناة المواطنين من رؤساء الأحياء، ومن رؤساء المدن، اذهبوا إلى وادى النطرون ومركز بدر، تحديدا، كون هذه المناطق تضم آلاف الأفدنة من الأراضى المستصلحة والمملوكة للدولة، واسمعوا ونقبوا عن المخالفات الصارخة والتلاعب فيها، وإهدار الملايين على خزينة الدولة، تسبب فيها رئيس المدينة وكل الأجهزة الحكومية هناك، اذهبوا إلى أحياء الإسكندرية والقاهرة والجيزة، وستشاهدون وتستمعون للعجب العجاب، وما يفوق الخيال الجامح..!!
لا محافظون يراقبون ويتابعون، ولا أجهزة منوطة تراقب بقوة، ولكن الجميع يطبق سياسة القردة الثلاثة الشهيرة «لا أرى شرا.. لا أسمع شرا.. لا أتحدث شرا»، لذلك تغلغل الفساد، وتقننت الرشوة، وصار لها قوانين تحميها، وجنود يحرسونها ويدافعون عنها بكل بقوة، وفى النهاية لا يدفع الثمن غاليا وباهظا سوى شرفاء هذا الوطن..!!
ولَك الله يا مصر...!!