ورقة أخرى تركت شجرة الصحافة والسياسة، حسين عبدالرازق، ذهب ليلحق بعدد من جيل ملأ الدنيا بالأفكار والحوارات والتجارب فى السياسة والصحافة، والكثير من الأمل فى وقت من أوقات مصر. رحل تاركًا تجربة عريضة وعميقة فى الصحافة والسياسة ضمن عدد من أبناء جيله والأجيال السابقة والتالية.
وأحيانًا نشعر بالفخر لأننا عشنا وعملنا وتعلمنا مع كثيرين من جيل كان يحلم بمستقبل أفضل حاول بقدر ما يستطيع، وترك خلفه تجربة مهمة من الفعل والسعى الصحفى والسياسى، وبقدر ما نشعر بالفخر لأننا عشنا معهم، نشعر بحزن لأنهم يفارقونا، وأنهم لم يعيشوا ليشاهدوا حلمهم وفد تحقق. لكنهم تركوا تجربة مهمة فى التسامح والاجتهاد والتفاهم خلافًا واتفاقًا.
لمع حسين عبدالرازق رئيسًا لتحرير جريدة الأهالى، وقتها كانت هناك آمال عريضة بإمكانية بناء تجربة سياسية وحزبية بدأت من منتصف السبعينيات، وصلت ذروتها فى منتصف الثمانينيات، كانت جريدة الأهالى تمثل تجربة اليسار الغنية بتيارات تختلف وتتقارب وتتفق وتتقاطع. كانت الأهالى ترجمة لفكرة حزب التجمع التى بناها خالد محيى الدين ورفاقه، وحاول فيها أن يجمع التيارات اليسارية باختلافاتها فى صيغة تجمعية، حاولت الأهالى التعبير عنها، برئاسة تحرير حسين عبدالرازق وارتبط أربعة مع حسين عبدالرازق، كان صلاح عيسى وفريدة وأمينة النقاش. وهو الرباعى الذى كان يحلو للكاتب الراحل موسى صبرى أن يطلق عليهم فى الأخبار عصابة الأربعة، بينما صلاح عيسى يطلق عليه «موسى شرف المهنة». وهى معارك صحفية كانت تعكس الاختلافات السياسية. وكانت هناك خلافات سياسية واقتصادية تنعكس على صفحات الجرائد وتجذب جمهورًا هنا وهناك.
الأهالى كانت تمثل تجمعًا لليسار، وفى تجربة رئاسة حسين عبدالرازق وتجمع تنويعات من الكتاب والسياسيين من شيوعيين وناصريين، شهدت الأهالى أقلامًا امتدت من إسماعيل صبرى عبدالله وفؤاد مرسى، وسمير أمين، ومحمد أحمد خلف الله، وخليل عبدالكريم، ورفعت السعيد، ولطيفة الزيات، وعواطف عبدالرحمن وأمينة شفيق، ورمزى زكى، ورسوم كاريكاتير حجازى وبهجت وحاكم وأبوالعينين ومحيى اللباد. وأجيال تالية مثل شفيق أحمد على وسليمان شفيق وأحمد إسماعيل وبهيجة حسين وحازم منير وغيرهم.
وظلت الأهالى فى مراحلها التالية، برئاسة فيليب جلاب تجربة مهمة تجمع التيارات المتعددة، وظلت شاهدًا على صعود وانهيار أحلام التجربة السياسية والحزبية التى ظلت غير مكتملة.
ترك حسين عبدالرازق الأهالى لكنه ظل قادرًا على العطاء، فى مجلة اليسار، مثلما ظل صلاح عيسى هو الآخر مركز إبداع مستمر، كما قدمت فريدة النقاش تجربة مهمة فى «أدب ونقد» كواحدة من أهم المجلات الثقافية العربية.
سجل حسين عبدالرازق تجربة الأهالى فى كتابه «الأهالى.. صحيفة تحت الحصار»، حكى فيه تجربة السياسة والصحافة، فى فترة الرئيس أنور السادات، حيث اتسمت العلاقة بالصدام، ثم التجربة مع ما بعد الرئيس السادات وفترة رئاسة مبارك الأولى، وذكر تفاصيل عن العلاقات السياسية والحزبية، وانعكاساتها على مصير الأهالى. وهى قصة مهمة سياسيًا وصحفيًا، وتتعلق بأجيال عاصرت آمال التطور السياسى وانهياراته وصراعاته المكتومة والمعلنة. وهى تجربة تستحق أن تروى.
المرة الأخيرة التى صافحت فيها الراحل كانت فى جنازة وعزاء الكاتب الراحل صلاح عيسى، وبالرغم من علامات الحزن والوهن، كان حسين عبدالرازق قويًا بتجربة عمر يحمله على ظهره حاول فيها كثيرًا أن يكون فاعلًا ومؤثرًا، وشاهدًا على تجربة اليسار الممتدة لمعانًا وأفولًا وانتصارًا وانكسارًا. وكان بمثابة شاهد مهم وعادل.