غريب جدا خيال بعض المصريين، أحيانا يتسع لينكر الواقع، وأحيانا ينسج تفاصيل ومعلومات لا أساس لها، لمجرد مخالفة ما هو ثابت، وأحيانا ثالثة يخترع التفاصيل والحكايات المضللة لدعم نظرية المؤامرة، الحل المريح فى كثير من المواقف.
خد عندك قضية محمود نظمى، المتهم بقتل طفليه بقرية ميت سلسيل بالدقهلية، الداخلية نجحت فى حل القضية بسرعة اعتمادا على تحليل مكالمات موبايل المتهم وكاميرات المراقبة فى الأماكن التى مر بها، واكتشاف التضارب فى المعلومات التى أدلى بها عند إبلاغه عن الواقعة، وبمواجهته بالتضارب ومحتوى كاميرات المراقبة، اعترف بقتل طفليه لعدم قدرته على تحمل مسؤوليتهما.
ليس هذا فقط، فقد أعاد المتهم تمثيل الجريمة حرفيا بالصوت والصورة، وأرشد رجال المباحث عن المنطقة التى ألقى منها الطفلين البريئين فى الماء أعلى كوبرى فارسكور، واعترف تفصيلياً باصطحابهما صباح يوم العيد بسيارته وتوجه لزيارة أحد أقاربه، وعقب ذلك اصطحبهما لمدينة الملاهى «لاختلاق واقعة اختفائهما» ثم اصطحبهما بسيارته وتوجه بهما إلى أعلى كوبرى فارسكور، وقام بإلقائهما بنهر النيل وأخبر زوجته هاتفياً أنه فقد الطفلين «على غير الحقيقة» بالملاهى، ثم عاد لمدينة الملاهى مرة أخرى، وطلب من أحد أصدقائه الاتصال بشرطة النجدة والإبلاغ عن فقد الطفلين، وعلل المتهم ارتكابه الواقعة بسوء علاقته بزوجته واتهامها الدائم له بعدم تحمل مسؤولية تربيتهما.
إلى هنا وسياق الجريمة يبدو منطقيا مدعوما بالأدلة، خاصة أن تحليل عينات دم المتهم كشفت إدمانه وتعاطيه مخدر الحشيش والترامادول، لكن فجأة يكتب أحدهم بوست على فيس بوك على طريقة قال لك وقالوا لك إن الموضوع مؤامرة كبيرة، وإن الأب برىء من القتل، وإن اللى قتلوا الطفلين عصابة تتاجر فى الآثار، كان المتهم يعمل معهم ثم اختلفوا حول صفقة، فقرروا الانتقام منه بقتل طفليه، وإن العصابة فيها ناس واصلة وكبيرة- واخد بالك انت- وإن الداخلية بتدارى عليهم ويتجبر الأب على إنه يعترف على نفسه.
صدق أو لا تصدق. إن البوست التافه ده على فيس بوك، عمل مع الناس أحلى شغل، وانت عارف إن اللى بيحبوا التجويد والهرى مفيش أكتر منهم، واتنقل الموضوع من خانة البحث الجنائى وتحقيقات النيابة إلى الافتكاسات على مواقع التواصل، وهوبا تحول الأب القاتل إلى ضحية، وفى نقلة تانية أصبح بطلا يواجه مؤامرة من ناس كبيرة بتحاول تنتقم منه.
أهالى ميت سلسيل اتجمهروا حوالين بيت الأب القاتل، وقعدوا يهتفوا عايزين الحقيقة عايزين الحقيقة، فما كان من جهات التحقيق إلا أنها سمحت بإذاعة اعترافات الأب القاتل بالصوت والصورة وأدلة الجريمة حتى يتأكد الناس أن سياق القضية واضح، وأن التهمة مثبتة بالأدلة واعترافات الأب، وأن الهرى على الفيس بوك ملوش أب ولا دليل عليه ولا يستطيع أحد الدفاع عنه.
وللحديث بقية حول رغبة المصريين واستعدادهم لتصديق الشائعات.