مع الغزو الأمريكى العسكرى للعراق العظيم عام 2003، بدأ غزو إيران الفعلى لكل المناطق العراقية من البصرة وحتى تخوم المناطق التى يسيطر عليها الأكراد فى الشمال الغربى، الغزو العسكرى الأمريكى كان يستهدف تصفية حكم صدام وجيشه وأيديولوجية البعث القومية، وكذا نهب الثروات العراقية النفطية ومنع قيام حكم مشابه لحكم صدام حسين لمدة خمسين عاما على الأقل، ولم يكن يستطيع ذلك بمفرده، حتى بعد حل الجيش العراقى النظامى، وحتى بعد تسليح الأكراد فى الشمال، وفرض نظام الحكم الذاتى فى أربيل بعلم ولغة ونسبة من عائدات النفط.
لم يكن الاحتلال الأمريكى يستطيع تفتيت العراق وتمزيق مجتمعه إلا بمساعدة آيات الله فى طهران، وهم كانوا ينتظرون هذه الفرصة التاريخية، وبدلا من كأس السم الذى تجرعه الخمينى فى هدنة 1988، كان كأس الخمر المعتق فى 2003، خمر الانتصار ووضع اليد على جسد العراق الجريح، وسرعان ما عملت الذئاب الشيرازية أنيابها فى الجسد المغيب الجريح تمزقه بالأيديولوجية الشيعية الموالية للملالى فى طهران وقم والرافضة لأية نزعة وطنية عراقية، بل والداعية لاستباحة دماء البعثيين وكل من والاهم فى نزعتهم القومية.
كان مطلوبا أن تسيل دماء العراقيين غزيرة فى حروب مذهبية وطائفية وقد حدث، وكان مطلوبا أن تحل الميليشيات المسلحة محل الجيش والشرطة النظاميين لتغييب أى ولاء وطنى أو قومى وقد حدث، وكان مطلوبا أن ينقسم المجتمع العراقى إلى مكوناته الأولى، وأن يتمزق فى حرب بلا نهاية، وقد حدث، وكان مطلوبا أن يقتل الشيعى السنى على الهوية، وأن يقتل السنى الشيعى على الهوية وقد حدث، وكان مطلوبا أن تحتل الميليشيات الشيعية مناطق بعينها وتفرض سيطرتها على الدولة والبرلمان والحزب الحاكم وقد حدث، وكان مطلوبا أيضا أن تتكون الميليشيات السنية، وأن تظهر فى أبشع نموذخ للتخلف والدموية، فكانت ميليشيات داعش فى مواجهة الهيمنة الشيعية.
ومع تفتيت المجتمع العراقى ظلت الغلبة والهيمنة للإيرانيين، واعتبر آيات الله أن العراق المستقل الموحد والجار اللدود انتهى إلى غير رجعة وحل محله باحة خلفية ملحقة بالإمبراطورية الثورية الإسلامية الجديدة، حتى فى ذروة صعود الدواعش وإخلاء الساحة لهم لارتكاب جرائم الذبح والحرق والاغتصاب لتشويه الإسلام السنى، لم يكن هذا الأمر بعيدا عن سيطرة طهران والعواصم الغربية الداعمة فى الخفاء، وكان مطلوبا أن يظل إلى حين، وقد كان.
الآن، البصرة تنتفض وضد من؟ ضد ميليشيات إيران وضد وجود إيران وضد مصالح إيران وضد أذناب إيران، الآن ولأول مرة ينتفض العراقيون كراهية فى الملالى وجرائمهم بحق المجتمع العراقى لدرجة حصار القنصلية الإيرانية وإضرام النار بها، والانتفاضة تلهم كل العراقيين الذين باتوا يعرفون من أين يأتيهم الخطر ومن هو العدو التاريخى، الانتفاضة تعم المدن العراقية الأخرى رغم تغلغل الحرس الثورى وأذنابه، ورغم تطرف الكثير من الشيعة الذين يعتبرون ولاءهم واجبا لطهران وليس لوطنهم العراقى، ورغم إرهاب الميليشيات المسلحة، ورغم هيمنة حزب الدعوة الإسلامى الحاكم.
الآن، البصرة تبدأ تدشين مرحلة الجذر للنفوذ الإيرانى فى المنطقة العربية، ألم يتباهى حكام طهران أوائل العام الجارى بأنهم باتوا يسيطرون على خمس عواصم عربية؟! ها هى البصرة العاصمة الثانية للعراق تكذبهم ، هاهى المدينة المحورية الأقرب لطهران التى اعتبروها منذ سنوات باحة خلفية لإيران وحرسها الثورى تصفهم بما هم عليه " عجم.. فرس.. محتلون".
لا أحد يستطيع التكهن بالمدى الذى يمكن أن تذهب إليه انتفاضة البصرة، وما يمكن أن يحدث من مواجهة عراقية حقيقية للاحتلال الإيرانى، لكن المؤكد أن انتفاضة البصرة تلهم سائر العراقيين فى الداخل أو فى المهاجر الأوروبية والأمريكية والعربية بضرورة إفاقة الجسد العراقى الجريح، وأن تتداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، حتى يشفى من جراحه ومعظمها من نهش الذئاب الشيرازية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة