التجربة تقول بأن تكرار رد الفعل الغاضب على طرح ما، سواء كان سياسيا أو فكريا، رسالة حاضرة ومستقبلية فى وجه كل من يفكر فى إعادة الطرح، طمعا فى ظهور أو تحقيقا لمصلحة، من هنا يمكنك القول إن طرح فكرة المصالحة مع الإخوان كان فعلًا لابد منه، حتى يقرأ من لم يُجد قراءة عقول المصريين رد الفعل الغاضب والرافض للفكرة من الأساس.
على مدى السنوات الماضية حاول بعض من أهل الإعلام والسياسة والنخبة المصرية طرح فكرة المصالحة مع الإخوان، بعضهم فعل ذلك على سبيل النقاش الفكرى، وبعضهم أطلق دعوته بحثا عن مكان بين الضوء، وجزء ثالث ألقى بطرحه بين الناس لإرضاء أطراف معينة، وكثير منهم ألقوا بقنبلة المصالحة لفتح الخزائن التى تملأ جيوبهم.
بعضهم تحدث عن مصالحة واضحة، وكثير منهم تحدثوا عن مصالحة بشروط، ولهم جميعا وصلت رسالة واحدة واضحة وصريحة بتوقيع الشعب المصرى، لا مصالحة مع الإخوان، ولا قبول لفكرة تقسيم الجماعة إلى حملة سلاح وأهل دم، ومنظرين وأهل استديوهات وشباب، لأن الفئة الأولى كان تقتل وتخرب، والفئة الثانية تشجع وتحتضن وتحرض وتشمت، لذا يبقى السجن مناسبا لأهل الفئة الأولى، ويبقى النبذ متوافقا مع أداء عناصر الفئة الثانية من جماعة الإخوان الإرهابية.
ما يحدث على الأرض فى مصر الآن يخبرنا بأنه لا عودة قريبة للإخوان، وتلك قضية يتفق عليها الطرفان دون تنسيق، الشعب والسلطة الحاكمة، ويرعى هذا الاتفاق دماء الشهداء، ومشاهد الفوضى، وفيديوهات التحريض والكراهية والشماتة والغل الإخوانى ضد مصر والمصريين.
الطرح الأخير لفكرة المصالحة مع الإخوان لم يكن مباشرا، ولم يكن واضحا مثلما حدث فى مرات سابقة، لكنه يدور فى نفس الفلك على طريقة بالونة الاختبار، إن وجدت القبول انتقلنا تحت مظلة ضوضاء فرقعتها إلى المرحلة الثانية وهكذا، مثلما فعل عماد الدين أديب فى آخر طرح لفكرة المصالحة مع الجماعة، يفعل بعض من أهل الاشتراكيين الثوريين، وجماعة اليسار المصرى، لا حديث صريحًا عن مصالحة صريحة، ولكن طرح فكرة الحوار بهدف احتواء المتعاطفين مع الإخوان، وأصحاب مبادرة الحوار الذى يجلب المصالحة غابت عنهم القراءة الصحيحة لعدة أمور، أولها عدم دراسة تجارب طرح فكرة المصالحة السابقة، وردود فعل الناس عليها.
الأمر الثانى هو السطحية، وتلك مشكلة، أغلب من يقدمون أنفسهم بأنهم عالمون ببواطن تنظيم الإخوان، وهم لا يعلمون عن الجماعة سوى القشور، يخطئون فى تشريح الجماعة، ويخلطون ما هو تنظيمى بما هو فكرى، ويفشلون فى شرح المستويات الإدارية، وأنواع العناصر الإخوانية، وترتيبها داخل التنظيم، ثم يرتكبون جريمة كبرى حينما يقترحون طريقة للتعامل مع عناصر الإخوان تناسب وضعا وظرفا سياسيا واجتماعيا مستقرا كان يمكن أن يفلح قبل 30 يونيو، لأن الفوارق الإدارية التى يفشلون فى شرحها وفهمها بخصوص المحب للإخوان أو المتعاطف معهم أو العضو التنظيمى كلها ذابت، بعد أن رفع الإخوان شعار حرق مصر، انتقاما لإزاحة مرسى من السلطة، واكتشف الناس بأنفسهم أن الجماعة وعناصرها بعضهم يقتل، وبعضهم يمول، وبعضهم يهدد، وبعضهم يحرض، وبعضهم يشمت، و لعبة تقسيم الأدوار الإخوانية تجعل التعامل مع الإخوان ككتلة واحدة أمرا حتميا.
لم يقرأ أصحاب مبادرات الصلح مع الإخوان رسائل حسن البنا جيدا على ما يبدو، لأن كثيرا من سطور مؤسس جماعة الإخوان تتضمن اعترافا بأهمية فئة المحبين أو المتعاطفين، والعودة إلى تاريخ الجماعة، وقواعد مؤسسها تكشف أن الجماعة فى أوقات محنتها تعتمد على المحبين، وتديرهم لصالح أفكارها وإرهابها، وكان البنا يقول دائما إن المحبين والمتعاطفين هم العمود الذى تتكئ عليه الجماعة وقت الهزيمة، لذا يبدو الطريق الصالح هو إلغاء فكرة التعامل مع الإخوان كطرف تسعى الدولة للتفاوض أو التصالح معه، ليظل هناك طريق واحد مظلته القانون والتشريعات، يسير عبره كل إخوانى بعد أن يخلع عنه ثوب الجماعة، ويرتضى بأن يعيش فى هذا الوطن وفق ضوابطه وشروطه ومعاييره وقوانينه، لا وفق تصورات جماعة، لأنه لا وجود لجماعة الإخوان فى المستقبل المصرى.
لذا لا تقلق لن تحدث المصالحة، ولكن تبدو الأمور فى حاجة إلى دراسة ملف أهم، هو غلق الباب أمام أى عودة مستترة للإخوان، وأبواب الإخوان معروفة، العودة من باب الاضطهاد والمظلومية، وربما يكون أضعف الأبواب، لأن الناس فى شوارع مصر أصبحت على يقين من دموية الجماعة وإرهابها وعنفها وطمعها، ثم باب الدين، وهو أيضا مغلق بقوة لأن الخطاب الإخوانى الدينى فضحته ممارسة السنوات الماضية بجلاجل، ثم باب النشاط الاجتماعى، والتغلغل داخل المساجد، وهو ما يحتاج إلى سيطرة أكبر من الأوقاف على المساجد والزوايا الصغيرة، ونشاط أكبر من المجتمع المدنى، حتى يقطع طريق عودة الإخوان عن طريق مساعدة الفقراء وغيرهم، ثم يتبقى باب السياسية والإعلام الذى يحتاج إلى ملء مساحات الفراغ الموجودة، حتى لا يصدر لك الإخوان وجوها تحصل على الشهرة، وتكسب شعبية، وتمهد لهم الأرض قبل أن تخلع القناع، ونكتشف خدمتها فى مكتب الإرشاد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة