تواصل الولايات المتحدة الأمريكية تطبيق استراتيجيتها لتقويض سلوك الجمهورية الإسلامية فى إيران وعرقلة تطوير برنامجها الصاروخى الباليستى الذى ترى فيه تهديدا لحلفاءها، متبعة فى ذلك مسارات مختلفة، فبينما يتأهب الرئيس دونالد ترامب إلى مواجهة جديدة مع طهران فى ساحة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بعد أيام، يواصل تكميل بنية فريق العمل الموجة لطهران، ويسعى فى الوقت نفسه لإبرام معاهدة جديدة بشأن الملف النووى تشمل أيضا صواريخها الباليستية.
معاهدة جديدة واقتراح باضافة أطراف خليجية
وتعتقد واشنطن أن العقوبات الأمريكية التى تم تطبيقها فى أغسطس الماضى والحزمة الثانية التى ستدخل حيز التنفيذ نوفمبر المقبل وتستهدف قطاعات النفط الإيرانية، سترغم طهران على العودة للمفاوضات، وقبل أقل من 3 أسابيع من تطبيق الحزمة الثانية، كررت الإدارة الأمريكية مقترح إعادة التفاوض مع إيران، وجاء المقترح على لسان براين هوك" المبعوث خاص لإيران والمكلف بإدارة "فريق عمل حول إيران"، الذى قال إن واشنطن تسعى للتفاوض على معاهدة مع طهران ستشمل البرنامجين النووى وتطوير الصواريخ الباليستية.
وأوضح هوك فى مؤتمر بمركز "هادسون للدراسات والتحليل" فى واشنطن، أن ترامب ووزير الخارجية مايك بومبيو قالا بوضوح إنهما مستعدان للتفاوض ولخوض محادثات، وأكد على أن هدف التوصل إلى اتفاق شامل مع إيران يستند للشروط الـ 12 التى أعلنها بومبيو مايو الماضى، لكنه فى الوقت نفسه اعترف برفض صانع القرار فى إيران إجراء أية محادثات.
"#Iran’s pace of missile launches did not diminish after JCPOA Implementation Day in January 2016, and Iran continues to prioritize its missile force development. Iran has conducted multiple ballistic missile launches since that time." - Special Rep. Brian Hook @HudsonInstitute pic.twitter.com/Cw6YtJolN4
— Department of State (@StateDept) September 19, 2018
ويرى الرئيس الأمريكى منذ صعوده فى 2017 أن الاتفاق النووى المبرم مع طهران ومجموعة (5+1) فى 2015 معيب وقرر الانسحاب منه فى 8 مايو الماضى، لأسباب فى مقدمتها رغبته فى تعديل بنوده، المتعلقة ببند الغروب الذى وصفه وزير الخارجية الأمريكى بالخلل الأكبر، إذ ينص على أن بعض القيود التقنية المفروضة على الأنشطة النووية تسقط تدريجياً اعتباراً من 2025، إضافة إلى أن الاتفاق يتجاهل برنامج طهران الباليستي، إضافة لعدم تناوله للسلوك الإيرانى الإقليمى المزعزع للاستقرار.
ورغم أن طهران رسميا لم تعلق على المطلب الأمريكى، لكن من خلال مواقفها السابقة يمكن التأكيد على رفضها المسبق، للعودة مجددا إلى طاولة المفاوضات الأمريكية أو الحديث عن برنامجها الصاروخى، الأمر الجلى فى تصريحات المسئولين الإيرانيين، ومؤخرا كررت الخارجية الإيرانية رفضها، وفى سبتمبر الجارى أكد متحدثها بهرام قاسمى عدم وجود نية للدخول فى مفاوضات مع الولايات المتحدة فى ظل الظروف الراهنة، وهو نفس الموقف الذى أصبح يتخذه التيارات الإصلاحية والمتشددة فى الداخل، غير أن القلة من الإصلاحيين الذين لا يزالوا يرون أن مشكلاتهم مع الولايات المتحدة ستحل بالحوار، كما أن المرشد الأعلى طمأن الإيرانيون أغسطس الماضى مستبعدا فرضية الحرب بين واشنطن وطهران.
ورغم ذلك كشفت لقاءات وزير الخارجية الإيرانى محمد جواد ظريف بنظيره الأمريكى الأسبق ووزير خارجية إدارة أوباما جون كيرى مهندس الصفقة النووية، قلق إيرانى متزايد من تأثير عقوبات إدارة ترامب على الاقتصاد المتدهور أصلا، مع هبوط متواصل لقيمة العملة الإيرانية التى فقدت نحو 40% من قيمتها خلال الأشهر الماضية أمام العملات الأجنبية، وارتفاع أسعار جنونى الذى يشعر به الإيرانيون، فمع تمسك كيرى بالاتفاق النووى ورفضه خطوة الانسحاب منه، وجدت طهران مؤيد أمريكى للاتفاق تلجأ إليه وتسعى من خلاله تشكيل جماعة ضغط أمريكية على ترامب.
مقترح المعاهدة الأمريكى مع طهران وجد صدى له فى العالم العربى الذى يجد برامج طهران النووية والصاورخية تهديدا للمنطقة، من جانبه علق أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتى للشؤون الخارجية والذى دعم قرار انسحاب ترامب من الاتفاق مايو الماضى، قائلا إنه "يجب إشراك حلفاء واشنطن الخليجيين فى المفاوضات المقترحة للتوصل إلى معاهدة مع إيران بشأن برنامجها للصواريخ الباليستية وسلوكها الإقليمي"، ووصف قرقاش تصريحات هوك بأنها "مهمة".
وكتب على تويتر "من الضرورى أن تكون دول الخليج العربى طرفا فى المفاوضات المقترحة الأعقل لطهران أن تتجنب مرحلة العقوبات وتتعامل بجدية مع هذه المقترحات".
إضافة "اسكينى" كمتحدثة فارسية للخارجية الأمريكية
وبينما يستعد الرئيس الأمريكى لمواجهة روحانى فى الأمم المتحدة الأسبوع المقبل، إضافة إلى ترأس جلسة بمجلس الأمن حول إيران، أشارت تقارير صحفية إلى أن ترامب قام بتعيين "إليزابث استكينى"، متحدثة باللغة الفارسية فى وزارة الخارجية والمعنية بملف إيران ضمن فريق عمل بالخارجية، ولفتت التقارير إلى أن عملها سيبدأ خلال أيام انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، بينما لم تؤكد الخارجية الأمريكية الخبر أو تنفيه.
وحال تأكد خبر تعيينها ستخلف استكينى الين أير، الذى شغل المنصب نفسه لسنوات فى عهد إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، ويأتى تعيينها بعد عام من مساعى ترامب لقطع أذرع أوباما داخل الإدارة الأمريكية، بما فى ذلك قرار نقل الأمريكية ذات الأصول الإيرانية سحر نوروز زادة من وظيفتها كعضو فى مكتب السياسات الخارجية للبيت الأبيض إلى مكتب الشئون الإيرانية فى أبريل 2017، بسبب موالتها المطلقة لأوباما وسياساته المهادنة ومغازلة إيران، وكانت نوروز زادة إحدى أعضاء اللوبى الإيرانى "ناياك" ولعبت دورا كبيرا فى صياغة شكل الاتفاق النووى 2015.
الیزابت استیکنی
ومع مواصلة واشنطن تقويض إيران عبر تطبيقا صارم للعقوبات، واصلت الشركات الأوروبية الهروب من السوق الإيرانى امتثالا للعقوبات، وقررت شركة "فولكسفاجن" الألمانية وقف نشاطاتها بصورة شبه كاملة فى إيران، وقال السفير الأمريكى فى برلين ريتشارد جرينيل، أنه تم التوصل إلى اتفاق بين مجموعة السيارات ووزارة الخارجية الأمريكية ينص على أن تحتفظ المجموعة بأنشطة محدودة للغاية فى إيران تقتصر على الدواعى الإنسانية.
فى غضون ذلك، استبقت طهران اجتماع مجلس الأمن الذى سيترأسه ترامب لإدانة سلوكها الأسبوع المقبل، بإدانة حليفه الإسرائيلى، فقد طالبت طهران مجلس الأمن الدولى بإدانة التهديد النووى الإسرائيلى ضدها، داعية إلى إرغام إسرائيل على الالتزام بالقرارات الدولیة ومیثاق الأمم المتحدة، وفى رسالتها لمجلس الأمن وللأمين العام للمنظمة أكد ممثل إيران، أن امتلاك الأسلحة النوویة من قبل إسرائيل، یعد أكبر تهدید للسلام والأمن الإقلیمى، داعیة المجتمع الدولى إلى "اتخاذ موقف قوى إزاء الإجراءات المنفلتة والتهدید النووى الذى تشكله إسرائيل"، داعية إلى إرغام إسرائيل على الانضمام لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النوویة وجعل برنامجها النووى تحت مراقبة الوكالة الدولیة للطاقة الذریة.