نحن مجتمع عنيف، نعم هذا صحيح، ولكن ماذا بعد الاعتراف؟
العنف فى الهواء، فى الشارع والمدرسة والبيت والعمل ووسائل المواصلات أكبر بكثير من مشكلة التنمر بالفنانة دينا الشربينى، وأسبابه كثيرة بعضها اقتصادى وبعضها يرتبط بالعجز عن التحقيق، وبعضها الآخر مرتبط بخيبة الأمل فى الثورات التى مررنا بها أو مرت بنا وظن كثير من المصريين أنها عصا موسى ستقسم البحر وتوفر لنا النجاة، أو عصا الساحر الذى يخرج الأرنب من القبعة ويحول التراب إلى ذهب، نعم هذا صحيح أيضا، ولكن ماذا بعد الاعتراف؟
العنف فى مجتمعنا المصرى سلسلة حلقات متصلة، يغذيها الإعلام والدراما والسينما والرياضة، وأصبح حالة ثقافية عامة لا يمكن التخلص منها إلا بتغيير المفاهيم التى يقوم عليها المجتمع، نعم نعم هذا صحيح أيضا، ولكن ماذا بعد الاعتراف؟
العنف عندنا مرتبط بالفساد والإفساد الدينى، فقد ظللنا حقل تجارب لعدة عقود من جماعة الإخوان الإرهابية التى أفسدت كثيرا من الشباب، وحقل تجارب للجماعات السلفية المرتبطة بالخارج الصحراوى وكيف كانت تتلقى تمويلات دائمة من رعاتها الصحراويين لا لشىء إلا لتدمير الوسيط الثقافى المصرى الذى استطاع الإشراق على العرب من المحيط إلى الخليج خالقا ما يسمى بالرحم الثقافى والفنى والإبداعى، وجاذبا ملايين العرب إلى القاهرة العاصمة الثقافية والفنية، واستطاعت تلك الجماعات المتطرفة أن تشوه بالفعل المجتمع المصرى وأن تجعل من العنف حالة ذهنية عامة، من لم يمارس القتل والإرهاب مستعد لتقبله أو لتسويغه أو للدفاع عنه بتبريرات تافهة وقشور مما يشبه العلم القديم ولغو السلف الطالح، وأى محاولة لمواجهة حالة العنف فى مجتمعنا لابد وأن تبدأ بثورة فكرية حضارية تمنح الناس أملا فى غد أفضل وتصورا أرقى عن الحياة وعيشها ونظرة مختلفة إلى المستقبل وضرورة الإسهام فى الحضارة الإنسانية بدلا من الغرق فى الماضى، وكل هذا صحيح، ولكن يبقى السؤال مطروحا، ماذا بعد الاعتراف ومن أين نبدأ؟
والعنف فى مجتمعنا أيضا مرتبط بالفهلوة كثقافة عامة، كثيرون منا يتصورون أنهم قادرون على التحقق بدون مجهود ومعاناة، وتحقيق ثروات من أفكار سهلة بدون تعب أو يراودهم حلم الثراء السريع من اكتشاف كنز أو الفوز فى مسابقات الملايين والانتهاء إلى حياة الكسل والراحة والتباهى على سائر خلق الله، ولكن هذه الثقافة الفهلوية ضد ناموس الله فى الأرض، وضد قوانين الطبيعة، وعندما يصطدم الفهلوية بالفشل وعدم التحقق لا يردون ذلك إلى عيب فيهم بل يغضبون وينفسون عن غضبهم بالعنف أو بالجرائم، ولذا انتشرت كالوباء الحفائر العشوائية أسفل البيوت بحثا عن كنوز الآثار وكثر عدد المستريحين الذين ينصبون على خلق الله ويستولون على مدخراتهم بزعم توظيفها بفائدة مرتفعة.. وكل هذا أيضا صحيح، ولكن يبقى السؤال مطروحا، ماذا بعد الاعتراف ومن أين نبدأ؟
نبدأ من طبيعة مجتمعنا الذى تتراوح نسبة الشباب فيه حول الـ70 بالمائة، وهى نسبة كبيرة للغاية وطاقة جبارة يمكن أن يتم توظيفها لنقل مجتمعنا من حال إلى حال، من حال الفقر والبطالة والتخلف إلى حال النمو والتطور والازدهار، وبدلا من أن تظل مجموعات القوى والطاقات فى المجتمع متنافرة وموجهة ضد بعضها البعض ولا تجد أهدافا تسعى إليها، علينا أن نجد ما يجمعنا حول مجموعة أهداف محددة لخدمة بلدنا وأنفسنا وصناعة مستقبل أفضل لنا ولأبنائنا بعيدا عن أحلام اليقظة وأوهام الماضى وأمراض التطرف والمتطرفين، وللحديث بقية.