(عباس العقاد فرغم ما عرف فى كثير من كتاباته من دفاعٍ عن الإسلام ورموزه، إلا أنه فيما يظهر من حاله وما قرأناه عنه لم يكن يهتم كثيراً بالتزام السلوك الإسلامي في حياته).. هكذا انتقد الشيخ عبد الآخر الحماد مفتى الجماعة الإسلامية عندما وصف (العقاد) خلال مقارنة عقدها بين الأديبين عباس العقاد، ومصطفى لطفى المنفلوطى، حول مسألة مرور الزمن وانقضاء الأعمار، فيما وصف هشام النجار الباحث فى شئون حركات التيار الإسلامى أن هذه المقارنة تعسفية، مضيفا: "مقارنة بين اثنين من منطلق زعم التفوق فى الالتزام الديني الذي يساوي لديهم – أى الجماعات الإسلامية- فقط التشدد والاستعلاء ومخاصمة الحياة بزعم الاقبال على الآخرة، مؤكدا أنها أيضا مداومة على التمسك بالشكليات.
مقارنة مفتى الجماعة الإسلامية بين عباس العقاد ومصطفى لطفى المنفلوطى جاءت تحت عنوان "عظة السنين بين المنفلوطي والعقاد" قال فيها :"من الأمور المقررة في ديننا الحنيف أهمية اتعاظ المسلم بمرور الزمان وانصرام الشهور والأعوام ، وأن يعلم العبد أنه إنما هو أيام ، كلما ذهب يومه ،ذهب بعضــه ، وأن كل يوم يمضي من عمره يجب أن يكون حافزاً له لتذكر أن له نهاية لا بد منها ،وأن له موقفاً بين يدي الله عليه أن يعد العدة له وقد عنً لي أن أوازن بخصوص هذه القضية بين موقِفَيْ أديبين معاصرين هما : عباس محمود العقاد ،ومصطفى لطفي المنفلوطي ، رحمهما الله تعالى ، لنرى كيف كان كل منهما ينظر إلى فكرة مرور الزمن وانقضاء الأعمار .
ورصد "حماد" ما أسماه بعض أسباب التباين بين نظرتى العقاد والمنفلوطى لقضية مرور الزمن وانقضاء الأعمار قائلا: "أولا الفروق الثقافية: أول ما يبدو لنا من الفروق هو اختلاف ثقافتى الرجلين، فالمنفلوطى أزهرى النشأة والتكوين، وتكاد ثقافته تنحصر فى علوم الشريعة والأدب العربى وما يتعلق بهما، حتى أن الروايات التى طُبعت مترجمة منسوبة إليه كرواية ما جدولين، وفى سبيل التاج وغيرهما إنما كان بعض أصدقائه ممن يجيدون الفرنسية يترجمها له، ثم يتولى هو إعادة كتابتها وصياغتها بأسلوب أدبى جميل، وأما العقاد فقد كان موسوعى الثقافة، وكان يجيد اللغة الإنجليزية ويقرأ بها، ولذا كان محصوله من الثقافات الغربية وغيرها محصولاً وفيراً، ومن هنا رجحت لديه النظرة العقلية الفلسفية على حساب النظرة الدينية الآخروية".
وتابع: " الاختلاف السلوكي، الفرق الثانى الذى نراه بين الرجلين -والذى ربما كان جانبٌ منه راجعاً إلى الفرق الأول – هو اختلافهما من حيث الالتزام بالسلوك الإسلامى فى العبادات وغيرها، فالذى يظهر لنا من حال المنفلوطى أنه كان من المحافظين على السلوك الإسلامى المتزن " مضيفًا: " أما العقاد فرغم ما عرف فى كثير من كتاباته من دفاعٍ عن الإسلام ورموزه، إلا أنه فيما يظهر من حاله وما قراناه عنه لم يكن يهتم كثيراً بالتزام السلوك الإسلامى فى حياته، فعلى سبيل المثال كان صالونه الأدبى يعقد صباح يوم الجمعة وينتهى عند الثانية ظهراً دون أن يؤدى صلاة الجمعة، كما ذكر أنيس منصور فى كتابه فى صالون العقاد".
وزعم مفتى الجماعة الإسلامية بعض كتب عباس العقاد كانت تغيب عنها بديهيات الإسلام، قائلا: " فىقضية الفهم الإسلامى: كان المنفلوطى فى الجملة ملماً بالأصول الإسلامية، صحيح الاعتقاد، فلا تجد فى كتاباته مخالفات ظاهرة للنصوص الشرعية المحكمة، أما العقاد فبرغم ما أشرنا إليه من كتابته فى الإسلاميات إلا أن الدراسة المتأنية لكثير مما كتب تدل على أنه كانت تغيب عنه كثير من بديهيات الإسلام التى ربما لا تغيب عن عوام المسلمين، فعلى سبيل المثال كان العقاد يقول بما يسميه ترقى الإنسان فى العقائد، وأن البشرية قد مرت فى اعتقادها بأطوار ثلاثة بدأت بطور تعدد الآلهة، ثم طور التمييز والترجيح، ثم انتهت إلى طور الوحدانية. [ كذا فى كتابه: الله، ص: 19] . ويقول: (ترقى الإنسان فى العقائد كما ترقى فى العلوم والصناعات، فكانت عقائده الأولى مساوية لحياته الأولى، وكذلك كانت علومه وصناعاته، فليست أوائل العلم والصناعة بأرقى من أوائل الأديان والعبادات ).[ المرجع السابق، ص: 10]..والحق الذى لا يجوز أن يشك فيه مسلم أن البشرية بدأت بالتوحيد وعبادة الله وحده منذ أهبط آدم عليه السلام إلى الأرض، ثم طرأ الشرك على الناس بعد ذلك، وقد قال ابن عباس رضى الله عنهما: ( كان بين نوح وآدم عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ).[ آخر جه الحاكم فى مستدركه (2/ 546)، وقال صحيح الإسناد]
باحث فى الحركات الإسلامية: الإسلاميون يرون الإلتزام الدينى يساوى التشدد
فى المقابل انتقد بشد هشام النجار الباحث فى شئون حركات التيار الإسلام السياسى المقارنة التى عقدها مفتى الجماعة الإسلامية بين العقاد والمنفلوطى، قائلا :" هي ذات الازدواجية القديمة في المعالجة لدى تيار الاسلام الحركي ودعاة السلفية فهم يتعسفون مقابلة ومقارنة بين اثنين من منطلق زعم التفوق في الالتزام الديني الذي يساوي لديهم فقط التشدد والاستعلاء ومخاصمة الحياة بزعم الاقبال على الآخرة".
وأضاف "النجار":" وكأن ذلك لا يتحقق إلا بالعيش في مناخ الموت والتفكير الدائم به وهي ازدواجية أخرى يعمدون اليها توحي بأن هناك تناقض بين عيش الإنسان حياته وتمتعه بها وبين أخلاقياته ومدى التزامه الديني وهو الأمر الذي لا يقاس في الحقيقة بالطقوس الشكلية وما يظهره أحدهم من علامات تدين أو ما يقوم به أمام الناس من عبادات، إنما يقاس بنبل الانسان ويقظة ضميره وسمو أخلاقه وعلاقته الطيبة بالناس وبأهله وأصدقائه ومجتمعه وهي ازدواجية أخرى يفخخها الاسلاميون ويجتزئونها ويعالجونها في سياق توظيفها لأهداف أخرى وصولًا لأن يقولوا أن هذا المستوى المطلوب من أداء الطقوس والعبادات والمداومة على التمسك بتلك المظاهر والشكليات لا يتحقق إلا بالانتظام في جماعة فهي التي تساعده وتشد من أزره وتصونه أمام الاغراءات".
وتابع :" في المقابل فأن الايمان الحقيقى العميق فهو فردي خفي وذوقي يعتمد على الذوق الذي تتم تنميته بالمعرفة وتعزيز النضال الفردي الخفي غير المكشوف والمنتظم في جماعة يشار اليها واليهم بأنهم عباد ومنهم من يدعي ومنهم من يرائي ومنهم من يظهر التدين للشهرة والسلطة والمال.. الخ،".
وأضاف "النجار":" لا يحتاج العقاد أن يقول أو أن يقول تلامذته ورفاقه أنه كان قوامًا صوامًا حتى يحكم أحدهم بإيمانه من عدمه أو يقيس مستوى ايمان العقاد الى مستوى ايمان المنفلوطي في مقارنات متعسفة، بل قد يكون هو الأكثر ايمانًا بذوق خفي وجوهر نقي وعلاقة مع الله بلا أغراض ولا مصالح ولا أهداف دنيوية.. هناك مسعى قديم جديد لتقسيم المفكرين وفق مزاجية تنظيمية لخلق امتداد وهمي وغير موجود أساسًا بين الجماعات ويعض العلماء والمفكرين في مقابل التنفير من البعض الآخر خاصة إذا كانوا لديهم موقف مناهض للجماعات والتنظيمات التي توظف الدين لأهداف في السلطة والحكم كموقف العقاد من جماعة الإخوان، وقد ظهر واضحًا أن كاتب المقال يسير وفق هذا الخط والتصور المسبق واضعًا خطة مؤداها أنه لا يهاجم الجماعات التي تزعم أنها الأكثر استمساكًا بالدين وبالعقيدة إلا من في طرحه العقدي خلل وفي ايمانه نقص".