مجموعة من اللقاءات المكثفة عقدها الرئيس السيسى الأيام الماضية مع جميع الأطراف المعنية بالقضية الفلسطينية، وذلك على هامش مشاركته باجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة فى دورتها الثالثة والسبعين، بدأها بلقاء الرئيس الأمريكى ترامب ثم كبار الشخصيات المؤثرة، ومشاهير السياسيين، وقادة الرأى فى المجتمع الأمريكى، ثم الرئيس الفلسطينى محمود عباس، وختمها بلقاء موسع مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، وخلال هذه اللقاءات جميعها، وكذا فى كلمته أمام الجمعية العامة، شدد السيسى على مفهوم السلام الشامل والعادل كأساس لحل القضية الفلسطينية أو بتعبير آخر حل الصراع العربى الإسرائيلى، الذى هو أساس كل الاضطرابات التى حدثت وتحدث فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية.
السلام الشامل والعادل التى تدعو إليه مصر، يعنى قيام دولة فلسطينية حقيقية ذات سيادة وقابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من يونيو 1967، مع ترك مساحة للمفاوضين من الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى للاتفاق حول التفاصيل المتعلقة بالحل النهائى مثل قضايا التأمين على الحدود المشتركة، ووضع المقدسات الإسلامية والمسيحية، وقضية اللاجئين وحقهم فى العودة إلى بلادهم.
وحتى يتحقق هذا السلام الشامل والعادل، لا بد وأن يكون المطالبون به أقوياء وقادرين على الدفاع عن قضيتهم فى المحافل الدولية أو على طاولة المفاوضات، ونعلم كيف خاضت مصر ماراثون من اللقاءات بين حركتى فتح وحماس حتى تستعيد وجه المفاوض الفلسطينى الذى يمثل عموم الشعب الفلسطينى وحتى ينتهى الانقسام بفعل فاعل، الذى انجرت له القوى الفلسطينية حتى أصبحت إسرائيل أقرب فى بعض الأحيان لبعض الفلسطينيين من أشقاء الدم والمصير، وحتى تراجعت فكرة المقاومة بكل أشكالها أمام محاولات أسرلة الوعى الفلسطينى وإغراقه فى مستنقعات التطرف والإرهاب أو فى حروب الخيانة بين غزة ورام الله.
الغريب أن الحرص المصرى على القضايا الأساسية للشعب الفلسطينى وثوابته، يبدو أنه لا يعجب بعض الأطراف العربية بعد أن غرقت فى وحل الأسرلة، وباتت من الهائمين فى فلك الدولة العبرية، كما أصبح كابوسا ينغص أحلام عدد من الساسة والوجهاء الفلسطينيين الذين يعتبرون النضال عملا يحتاجون إلى التقاعد المريح منه برعاية غربية وإسرائيلية، فتواترت الشكاوى إلى الوسيط والراعى الأمريكى من أن مصر تحاول فرض الوصاية على القضية الفلسطينية، وأنها تجبر الفلسطينى المقيم فى رام الله على مصافحة أخيه المقيم فى غزة بما يخالف الكتالوج الأمريكى الإسرائيلى الذى لا يريد أن يرى المجتمع الفلسطينى متماسكا متوحدا، ولا يطيق أن يقابل مفاوضا قويا فى مفاوضات الحل النهائى.
ولهؤلاء وأولئك نقول: إن مصر لم ولن تحاول فرض الوصاية يوما على الشأن الفلسطينى ولا على الفلسطينيين، ولكنها بحكم مسؤوليتها التاريخية لا تقبل التفريط فى الثوابت العربية، لأن الشعب الفلسطينى نفسه لن يقبلها، وسرعان ما سينقلب عليها، ويواجهها بكل قوة، وإذا كان السلام هدفه الاستقرار وإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة والنمو، فلا يمكن أن تقوم دولة فلسطينية فى إطار الانقسام، كما لا يمكن أن تقوم دولة فلسطينية وفق الرؤية الإسرائيلية الصهيونية التى يروج لها بعض أغنياء الحرب من الفلسطينيين، لأن هذه الرؤية تستهدف ابتلاع الضفة الغربية كاملة وطرد الفلسطينيين إلى غزة مع البحث عن رقعة صحراوية تزيد من مساحة غزة إلى الضعف حتى يتسنى لها امتلاك مقومات الدولة.
وإذا كان بعض الفلسطينيين من دعاة الانقسام بين غزة ورام الله يرون أنهم قادرون على الذهاب لمفاوضات المرحلة النهائية مع ضعفهم وتشتتهم وهوانهم على أنفسهم وعلى أعدائهم، فليظهروا لنا أمارات هذه القدرة وكيف سينتزعون حقوق الشعب الفلسطينى من غاصبيها!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة