شكل لغز العثور على جثث 3 أطفال ملقاة على الرصيف بجوار فيلا مهجورة بمنطقة المريوطية بفيصل تحدًا كبيرًا للأجهزة الأمنية، خاصة بعدما لاقت قضيتهم اهتمامًا كبيرًا من الرأى العام، وعقب أيام قليلة من العثور عليهم بمنطقة المريوطية بالهرم، بدأت أوصال القضية تتفكك شيئًا فشيئًا إلى أن تكشفت كافة التفاصيل، وتبين أن وراء التخلص من جثثهم بتلك الطريقة البشعة والدتهم وصديقتها.
القضية اتخذت منحنيات عديدة وتضمنت العديد من الاعترافات المثيرة التى فتحت المجال للعديد من الأسئلة، خاصة بعدما تبين أن الأطفال غير أشقاء وأنهم ليسوا أبناء الأب المقيدين بأسمه فى شهادات الميلاد، وأن مقتلهم لم يكن ورائه "سرقة أعضاء"، ولكن كان خلفه إهمال ورعونة من قبل والدتهم، انتهى بوفاتهم مختنقين فى حريق شب بمنزلهم بمنطقة الطالبية، ولم يستطيعوا النجاة بأنفسهم؛ لأنهم كانوا محبوسين داخلة غرفة مغلقة لا منفذ فيها لنجاتهم.
حصل "اليوم السابع" على نص أمر إحالة المتهمين الثلاثة فى القضية المعروفة إعلاميًا بـ"أطفال المريوطية" والمقيدة برقم 1434 حصر تحقيق الطالبية 2018، والذى أعدته النيابة العامة بجنوب الجيزة، واستندت فيه إلى عدة أدلة ثبوت تأتى فى مقدمتها أقوال الشهود واعترافات المتهمين التفصيلية، فضلًا عن التقارير الفنية الخاصة بالمعمل الجنائى والطب الشرعى، وتحريات رجال المباحث وأقوالهم التى أدلوا بها أمام جهات التحقيق.
المتهمة الرئيسية أنجبت الأطفال الثلاثة سفاحًا
بداية القضية وفقًأ لما جاء بالتحقيقات وتضمنه نص أمر الإحالة، كانت مع زواج المتهمة الأولى أمانى محمد دبدوب رسميًا من أحد الأشخاص وانفصلت عنه بعد عدة أشهر، ولسوء معاملة أهلها لها هجرتهم وانتقلت إلى القاهرة واستقرت هناك، وعملت كمضيفة فى الملاهى الليلية، وخلال هذه الفترة أقامت العديد من العلاقات غير الشرعية، والتى أسفرت عن إنجابها سفاحًا أطفالها الثلاثة محمد وأسامة وفارس، بعدها تزوجت من المتهم حسان عبد الونيس إبراهيم رسميًا وقيدت أبنائها الثلاثة باسمه فى شهادة قيد ميلادهم.
تعرفت المتهمة الأولى فى القضية على المتهمة الثانية سهي عبده محمد وزوجها محمد إبراهيم السيد، واتفقت معها على الإقامة بشقتها بمنطقة الطالبية، وخلال تلك الفترة احترفت "سهى وأمانى" العمل فى الملاهى الليلية، وهو ما دفعهما للخروج يوميًا ليلًا متوجهين إلى محل عملهم صحبة الطفلة نيللى (ابنة المتهمة الثانية)، والعودة صباح اليوم التالى، تاركين الأطفال الثلاثة المجني عليهم، والذى لم يبلغ أى منهم سن السابعة، بمفردهم بالشقة؛ لتسهيل حركتهم أثناء تواجدهما بمحل عملهم؛ نظرًا لطباع الأطفال الصبيانية وكثرة حركتهم وبالأخص الابن الأكبر "محمد"، والذى اعتاد العبث بالقداحات وإشعال الملابس وإحداث المشاكل.
المتهمة الثانية أشعلت النيران فى أجساد الأطفال لحرقهم ملابسها
قبل وفاة الأطفال الثلاثة بعدة أيام اعتدت المتهمة الثانية "سهى عبده" على الطفل الأكبر محمد بسبب قيامه بحرق ملابسها، وكنوع من أنواع العقاب أشعلت النيران فى يديه ومعصميه وظهره ومؤخرته، وكررت الفعل مع المجنى عليه أسامة بكيه فى أصابع يده اليمنى والمجنى عليه فارس بحرقه فى كف يده، وخلال تلك الفترة حدثت خلافات بين المتهمة "سهى" وزوجها "محمد" فوقع الطلاق بينهما.
يوم وفاة الأطفال الثلاثة خرجت المتهمتان "أمانى وسهى" من الشقة مصطحبين معهما الطفلة "نيللى"، ووضعوا الأطفال داخل إحدى غرف المنزل، وأغلقوها من الخارج، وتوجهوا إلى منطقة مصر الجديدة لقضاة سهرة صحبة "فارس.ت.م" وعادوا صباح اليوم التالى فى حوالى الساعة الواحدة مساءًا للشقة، فوجدوا أثار حريق على باب الغرفة مكان تواجد الأطفال، وحينما فتحو بابها تبين لهم نشوب حريق بالغرفة ووفاة الأطفال الثلاثة مختنقين بالأدخنة، فقرروا التخلص من جثامينهم خوفًا من المسألة القانونية.
المتهمتان وضعتا جثث الأطفال فى أكياس وبطاطين للتخلص منهم
أعدت المتهمتان الملاءات والبطاطين والأكياس البلاستيكية ووضعوا بداخلهم الأطفال، وأنزلوهم أسفل العقار واستوقفا "توك توك"، واستقلوه بصحبة الطفلة "نيللى" إلى منطقة المريوطية (مكان العثور على الأطفال)، وقامت المتهمة أماني بإنزال الجثامين ووضعها على جانب الطريق بمحاذاة سور أسمنتي، بعدها هربت المتهمة "سهي" وبرفقتها ابنتها "نيللى" إلى محافظة الإسكندرية، ولحق بها طليقها محمد إبراهيم واصطحبها إلى منطقة الوراق؛ لإخفائها والحيلولة دون ضبطها مع علمه بما ارتكبته من جرم.
النيابة استندت لأقوال رجال الأمن وسائق الـ"توك توك" والمبلغ فى أمر الإحالة
تضمن أمر إحالة المتهمين إلى المحاكمة الجنائية ما أثبته الرائد مصطفى عبد الله رئيس مباحث قسم شرطة الطالبية من تلقيه إخطارًا بالعثور على جثث الأطفال الثلاثة، وما أكده النقيب طاهر صالح معاون المباحث من العثور على جثثهم داخل أكياس بلاستيكية سوداء اللون، فضلًا عن أقوال المبلغ محمد ناجى والذي أكد مشاهدته أجسام اسطوانية الشكل على جانب الطريق، وبفحصها تبين وجود جثث الأطفال الثلاثة، فقام بتصوير مقطع فيديو للواقعة، ورفعه على صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك".
كما تضمن شهادة حسانين حسن سائق "توك توك"، والذي توجه إلى سرايا النيابة من تلقاء نفسه وأدلى بشهادته الذى أكد خلالها أنه يعمل سائق "توك توك"، ويوم الواقعة استوقفته المتهمة "سهي" وطلبت منه التوجه للعقار سكنها لتحميل بعض المنقولات، وأرشدته على العقار وطلبت منه الانتظار، بعدها قامت والمتهمة الأولى "أماني" بتحميل سجادة ملفوفة وكيسين أسودين كبيرين وكيس أبيض وحقيبة يد نسائية داخل الـ"توك توك"، وبالوصول إلى مكان العثور على الجثامين طلبوا منه التوقف، وقاموا بإخراج المنقولات ووضعها على الرصيف، ونقلوها لأسفل سور بذات المكان، وتحصل على مقابل التوصيلة وأنصرف، وأكد أنه لم يكن يعلم محتوى تلك الأشياء، وتعرف على المتهمين بعد عرضهم عليه قانونيًا.
الطفلة "نيللى" أكدت تخلص والدتها وصديقتها من جثث الأطفال
وشمل أمر الإحالة أقوال الطفلة نيللى محمد إبراهيم 6 سنوات (على سبيل الاستدلال)، والتي أكدت أنها كانت بصحبة والدتها المتهمة "سهى" والمتهمة الثانية "أمانى"، أثناء تواجدهما صحبة فارس.ت" بمنزله، وعند عودتهم لمنزلهم قامت بفتح باب الغرفة الخاصة بالأطفال المجني عليهم ففوجئت بأن الغرفة بالكامل سوداء اللون، وتبينت وفاة الأطفال، فقامت بسحبهم خارج الغرفة، ولفهم فى بطاطين وأكياس سوداء وإنزالهم وإيصالهم لمكان العثور عليهم، وأقوال محمد خالد إبراهيم مالك الشقة السكنية المستأجرة من قبل المتهمين والذي أكد عدم علمه بالواقعة وأن المتهمة الثانية سهي استأجرت منه الشقة لمدة عام؛ وذلك في مطلع مارس الماضي، وتم الاستماع لأقوال على عبد الرحمن المحامى ومحرر عقد الإيجار وقرر ما قررها المؤجر.
أهالى المنطقة أكدوا سوء سلوك المتهمتان واعتياد تركهم الأطفال بمفردهم
كما تضمن أمر الإحالة أقوال عدد من جيران المتهمين ومن بينهم نعمة مصطفى عبد الحميد، والتي أكدت تجنبها أقامة علاقات مع المتهمتان لسوء سمعتهما؛ وخروجهما ليلاً للعمل مرتديتان ملابس فاضحة وقصيرة، والعودة صباح اليوم التالي، وأنها لاحظت اصطحابهما الطفلة نيللى أثناء خروجهما يوميًا، وإغلاق الباب على باقي الأطفال الذين يقومون بالصياح والصراخ عقب خروجهما، وأنها أبصرت حروق في يد أحد الأطفال بررتها المتهمة الثانية سهي بأنه وضع يده على الفحم أثناء قيامهم بالشوى، وأقوال وائل سيد عبد العظيم، وطارق كمال حمدان ومحمد ثابت محمد وجميعهم أكدوا صحة ما تم ذكره على لسان الشاهدة نعمة مصطفى.
وتضمن أمر الإحالة أقوال "فارس.ت" الذى تواجد عنده المتهمين قبل اكتشافهم واقعة وفاة الأطفال، والذى أكد وجود علاقة بينه وبين المتهمة سهى عبده، وانه تعرف عليها بإحدى الملاهي الليلية، وتقابل معها وأمانى محمد والطفلة نيللى بمنطقة مصر الجديدة، واصطحبهم إلى منزله، لاتفاق مسبق بينهم بقيامهم بأعمال المنزل، وعقب وصولهم طلبوا منه المبيت بالشقة نظرًا لوجود خلافات بينهم وبين المتهم محمد إبراهيم السيد، فتركهم بذات الشقة وانصرف.
أقوال الأطباء الشرعيين أكدت وفاة الأطفال مختنقين بغاز أول أكسيد الكربون
وتضمن أمر الإحالة الاستماع لأقوال محمد على زين العابدين مراقب صحى بمديرية الشئون الصحية بالجيزة، وبركات محمد المدير المالى والإدارى بالوحدة الصحية بأبو النمرس، والذين شرحوا الدورة المستندية لاستخراج قيد ميلاد لساقطي القيد، وأكد الثانى عدم وجود ثمة معلومات لديه حول تزوير شهادتين قيد الميلاد الخاصة بالمجني عليهما، وعدم مشاهدته للمتهم حسان عبد الونيس إبراهيم من قبل.
واستمعت النيابة لأقوال جهاد خالد حماد وريهام عبد الحكيم عبد الجابر طبيبتان شرعيتان بمصلحة الطب الشرعي، والذي اسند إليهما مهمة تشريح جثامين الأطفال الثلاثة، حيث تولت الأولى تشريح جثمان الطفل أسامة والطفل فارس، فيما أسند للثانية مهمة تشريح جثمان الطفل محمد، والذين أكدوا تعرض الطفل الأول لإصابات بقمة الكتف الأيسر وخلفية الفخد الأيسر وخلفية الساق اليسرى، والثانى إصابات بالمرفق الأيمن والساعد الأيسر، وهى حروق حيوية حدثت من ملامسة الجسم للهب النار.
وأكدت الطبيبتان في أقوالهم أمام جهات التحقيق والتي أرفقت نسخة منها بأمر الإحالة، عدم وجود أي مظاهر حيوية تشير إلى حدوث عنف جنائي أوتدخل جراحى، وأن جميع الأعضاء الداخلية للمجنى عليهم كاملة وموجودة بمكانها وخالية من ثمة أثار إصابية، وتعزى الوفاة إلى الاختناق بغاز أول أكسد الكربون، مما نتج عنه فشل وظائف التنفس، وأنه قد مضى على الوفاة أثناء الفحص أكثر من يوم.
البصمة الوراثية أكدت نسب الأطفال للمتهمة الأولى ونفت كونهم أشقاء
واستمعت النيابة لشهادة المقدم محمد أمين فهيم مفتش مباحث فرقة الطالبية والعمرانية، والذى أكد ما سلف ذكره، وبسؤال المتهمة أمانى محمد أحمد دبدوب والمتهمة سهى عبده محمد والمتهم حسان عبد الونيس إبراهيم البدوى، والمتهم محمد إبراهيم محمد السيد، أقروا جميعًا بما نسب إليهم، فيما عدا المتهم الأخير والذى أكد على أنه لم يكن على علم بارتكاب المتهمة سهى عبده محمد الواقعة.
وأرفقت النيابة العامة نتائج تقرير معاينة الموقع الذى عثر فيه على الأطفال بأمر الإحالة، فضلًا عن معاينة الشقة التى توفى فيها الأطفال، وتقرير الطب الشرعى الخاص بتشريح جثامين الضحايا الثلاثة، كما تم إرفاق تقرير الإدارة العامة للأدلة الجنائية والذي اثبت أن الحريق نشب نتيجة اتصال مصدر حراري سريع ذو لهب مكشوف، بمحتويات منطقة بداية الحريق سهلة الاشتعال المتمثلة فى الملابس والمفروشات الموجودة بأرضية الحجرة.
وثبت من التقارير المرفقة بأمر الإحالة تناصف البصمة الوراثية للمتهمة أمانى محمد مع البصمة الوراثية لجثامين الأطفال الثلاث، مما يشير إلى أنها تتماشى وراثيًا كون المتهمة أم بيولوجية لهؤلاء الأطفال، وأن كل طفل منهم من أب بيولوجي مختلف عن الأخر، وعدم تناصف البصمة الوراثية للمتهم حسان عبد الونيس إبراهيم مع البصمة الوراثية لأي من جثامين الأطفال الثلاثة، مما يشير إلى استحالة كونه أبًا بيولوجيا لأي منهم.
وبناء على ما ورد بالتحقيقات فقررت النيابة العامة إحالة كلًا من أماني محمد أحمد دبدوب وسهي عبده محمد محمود ومحمد إبراهيم محمد السيد للمحاكمة الجنائية وفقًا للقيد والوصف المنطبق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة