القوة الناعمة من أهم أسلحة مصر والسينما تمثل مكونًا أساسيًا فى هذه القوة، التى توصف بالناعمة، حيث إنها تؤثر تأثيرًا بالغًا بالتسلل إلى الوجدان والقلب والعقل، مجتازة كل أنواع العوائق والموانع التى يستمر أعداء المحروسة فى وضعها لعرقلة وصولها إلى الملايين فى مصر والوطن العربى.. وهنا جاء فيلم الضيف للكاتب إبراهيم عيسى والمخرج هادى الباجورى وكوكبة الفنانين، خاصة خالد الصاوى وأحمد مالك وشيرين رضا وجميلة عوض وماجد الكدوانى، ويخوض المعركة بجسارة.
قضيت مع الجمهور نحو ساعتين وكأننى أشاهد حال وطنى وكيف وقع فريسة الأفكار الظلامية المتخلفة التى هبت رياحها الصفراء علينا منذ سبعينيات القرن الماضى.. أسرة مصرية يخوض عائلها معارك ضارية ضد خطاب الإرهاب والكراهية والتحريض على الفتنة الطائفية لتقسيم مصر، التى ظلت عصية على التقسيم رغم الحقب المظلمة من الاحتلال المتنوع على مر التاريخ، غير أن مخطط المتسربلين بعباءة الدين، الذين باسم هذا الدين العظيم لم يألوا جهدًا فى سبيل تفتيت الوطن الذى لا يؤمنون به، وشرذمته تنفيذًا لما أعلنه هنرى كسنجر، وزير الخارجية الأمريكى الأسبق: «إن أكبر ضمان لبقاء إسرائيل فى المنطقة العربية، هو تفتيت المنطقة إلى دُويلات عرقية وطائفية». ظل الدكتور يحيى التيجانى يواجه هذه الأفكار بشجاعة أكيدة، لدرجة أنه كان شديد الحزن لقرار الدولة بتعيين حراسة له بعد تهديده بالقتل، حيث عرفنا طوال سنوات من يسمونهم برجال الدين، أنهم لا يؤمنون بالحوار ويعتبرون عمليًا أن أول آية فى القرآن الكريم ليست اقرأ، بل اخرس.. وضع إبراهيم عيسى بمهارة شديدة تشريحًا دقيقًا لما آلت إليه أحوالنا فى العقود الأخيرة، من خلال أسرة، الأب فيها مسلم والأم مسيحية والابنة حائرة بينهما وبين الخطاب المحرض المتعصب وحبيبها الذى يجسد مداهنة أعداء الوطن، وكل أسباب قوته، من فن وعمل وقبل ذلك كله، من وحدة بين جميع أبنائه الذين لم يفرق العدو الإسرائيلى بينهم، بل استهدفهم جميعًا كمصريين، الوحدة التى تحطمت على صخرتها كل المؤامرات، فدلف بخبث، من باب ادعاء الحب، الذى لم يثبت يومًا أنهم يعرفونه، بل هم أعداؤه، واستولى على قلب الابنة.
حل الشاب المشبع بخطاب الكراهية والعداء لجوهر الدين الإسلامى ضيفًا على الأسرة ذات ليلة، ورأسه محشو بأن القتل هو الحل، وكأنه لو قتل جميع المسيحيين، سينتصر الإسلام ويسود العالم، وفى تلك الليلة وضع إبراهيم عيسى مشاكلنا جراء خطاب العنف والكراهية وتشويه العقول بالفتاوى التى ساعدت على إجراء تغييرات واضحة على الشخصية المصرية والهوية المصرية، فى سهرة العائلة مع هذا الضيف المتشبع بالأفكار المغلوطة، التى جعلت من الدين مظهرًا وليس جوهرًا، انتهت السهرة نهاية مأساوية، ولا أريد إفساد متعة المشاهدين، ولكنى أتمنى أن يشاهد هذا الفيلم، الذى يتسم كل فنانيه بالشجاعة والوعى، من أكبرهم إلى أصغرهم، السيد وزير التربية والتعليم، لأنه قد يقرر حينئذ تعميمه فى مدارسنا.. ففيلم الضيف يرد على جميع الأسئلة التى تدور فى ذهن الشباب، بعدما تركت الدولة ومؤسساتها المعنية، العقل المصرى نهب التشوهات والتفسيرات المغرضة والمدمرة.. لقد أوضح الفيلم أمورًا كثيرة ورد بالحجة على أباطيل أعداء وحدتنا.. هذا فيلم يمثل منعطفًا مهمًا ويثبت مدى فاعلية قوتنا الناعمة والقادرة على مواجهة الأفكار الدخيلة، بالإقناع والحجة، ولا بد من الإشارة إلى الأداء الجميل لكل من شارك فى إنجازه، وإلى الإخراج الراقى الواعى لهادى الجابورى.. ادعوكم إلى مشاهدة الضيف الذى جاء فى وقته فعلاً وفى انتظار إبداعاتك الجديدة يا عم إبراهيم ودحض الأباطيل بالمنطق والحجة.. ومبروك علينا الضيف، بأمل أن نستقبل ضيوفًا كثيرين تجسيدًا لمشهد بابا الأقباط فى مسجد الفتاح العليم والإمام الأكبر شيخ الأزهر فى كنيسة الميلاد، فى احتفال الرئيس بافتتاح الصرحين الدينيين، فى وطن للجميع.. وعودة بهية البهية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة