لترقد روحك فى سلام يا عيد عبدالخالق الأدهم، فقد عشت غربتين غربة السفر وغربة الموت، وها نحن نعيش إحساسًا بتفاهة الأشياء، سافرت إلى بلاد الله بحثًا عن الرزق وعدت من إيطاليا هيكلًا عظميًا، بعدما قضيت خمسة عشر عامًا لا يعرف أحد مصيرك، بينما نقف نحن عاجزين أمام «الزمن» قاسى القلب الذى ظل محتفظًا بالسر وحده.
هل لنا أن نتخيل عيد عبدالخالق الأدهم قبل عام 2004؟ حتمًا كانت تسكنه الأحلام والآمال، ربما جلس ذات مرة وفكر فى مستقبله فى بيته وفى أهله وفى حياته لكنه أبدًا لم يفكر فى أمر الموت، وبالطبع لم يتخيل الموت وحيدًا فى بناية قديمة آيلة للسقوط.
لم يغرق «عيد» فى البحر مثل غيره بل عبر ووصل إلى إيطاليا وبالتحديد إلى مدينة بياتشنسا فى شمال إيطاليا ثم اختفى، إلى أن تم العثور على جثته بعد أن أصبحت هيكلًا عظميًا، ولم يعرف أحد سبب الوفاة، هل هناك جريمة ما وقعت أم أنها الظروف، وسواء هذه أم تلك تظل النتيجة واحدة معبرة عن مأساة كبرى.
فى الصباحات التى أقرأ فيها مثل هذه الأخبار يصيبنى الحزن، والحزن لمن يعرفه وجع، والوجع يمسك فى الروح والجسد، ويطرح أسئلته الصعبة التى لا إجابات لها، ويطرح تخيلات لما قد حدث، لذا أجدنى أفكر كيف كان حال عيد عبدالخالق عندما أبصر الموت زاحفا عليه، هل تمنى لو لم يكن قد ذهب إلى إيطاليا أصلا، هل آمل أن يفلت من قبضته فى اللحظة الأخيرة، هل تهاوى أم كان شجاعا قادرا على المواجهة.
لا تفارقنى لحظة الموت، التى تبعث إلىّ ذكريات كل الذين رأيت موتهم أو سمعت عن حكاياتهم الغريبة مع الرحيل الغريب، أخشى دائما من الموت غريبا، لذا أحسن الذين فكروا فى إعادة رفات عيد عبدالخالق الأدهم إلى وطنه، كى يدفن قريبا من أهله حيث الرحمات ترسل إليه كل صباح.
لا يكبرنى عيد عبدالخالق الأدهم إلا بسنوات قليلة، وذلك مما يثير الشجن أكثر ويعمل على إضعاف الروح، ويؤكد لى أننا جميعا معرضون لمثل ذلك، لذا عليك رحمة الله يا عيد عبدالخالق وليمسح الله على قلوبنا بالصبر ويلهمنا باستيعاب الحكمة من وراء كل ما يجرى.