مات والدى، رحمة الله عليه، بعد صراع مع مرض تم اكتشافه متأخرًا على أنه تليف فى الكبد ناتج عن فيروس «سى»، لم نقصر تجاه والدى الذى كان عصاميًا بنى نفسه بنفسه، وكوّن لنا ثروة نحمد الله عليها، والدتى كانت نعم الزوجة البارة بزوجها، كم تحملت هذه السيدة العظيمة من ألم وتعب، أعطاها الله الصحة ومتعها بالعافية وجزاها الله عنا خيرًا.
المعاناة كانت كبيرة ومتعددة وآخر معاناتنا مع حالة والدى كانت مادية، فالحالة متيسرة ورغم ذلك شعرنا بالتكلفة الباهظة لعلاج مرض كانت الوقاية، ومازالت أهم أسباب مقاومته.
حكى لى والدى، رحمه الله، أن قريتنا كأى قرية فى صعيد مصر، حيث يذهب المزارعون إلى حقولهم قبل نزول أول شعاع للشمس يشق الطرقات الضيقة أو الفسيحة، حسب تعرجات الشارع وقربه أو بعده عن الجسر، راكبًا الرجل الحمار ويمسك بيده «سلبة» يجر منها الجاموسة التى هى رأس ماله ليقضى يومه الروتينى فى الزراعة، منتظرًا يوم الحصاد.
قبل يوم الحصاد وطوال أيام العام هناك رجل آخر ينتظر ذلك اليوم وهو «الحلاق» الذى يعمل طوال العام بحقن أهل القرية بنفس «السرنجة الزجاجية» التى يقوم بتعقيمها عن طريق وضعها فى الماء الساخن، فضلًا عن «ختان» الإناث و«طهارة» الأولاد والحلاقة لهم وهم منتظرين دورهم للجلوس أمامه على قارعة الطريق فوق الترع والمصارف.. وكانت كل هذه الأعمال يقوم بها «الحلاق» أو «التمرجى» الموجود فى الوحدة الصحية وهذه الأفعال أدت لانتشار فيروس «سى» فى مصر، كما تنتشر النار فى الهشيم.
بعد أن مررت بتجربة مرافقة والدى فى رحلة علاجه شعرت بمدى قيمة وفائدة مبادرة 100 مليون صحة، وهى من المبادرات التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى للبحث والقضاء على فيروس سى، وإجراء المسح الطبى للمواطنين، واكتشاف الأمراض المزمنة مثل السكر والسمنة التى وصل أصداؤها إلى مسامع العالم، وأصبحت محط اهتمام لمنظمات الصحة العالمية، وتجربة مميزة يُشاد بها فى المحافل الدولية، وذلك تحت إشراف وزارة الصحة فى لحظة انتظار لإعلان مصر خالية من فيروس «سى».
وحققت المبادرة إنجازًا كبيرًا فى الكشف عن فيروس سى، والأمراض المزمنة، وبدأت المبادرة خلال عام 2018 للكشف عن فيروس سى، منذ أكتوبر الماضى، وبدأت فى 9 محافظات، وفى ديسمبر الحالى بدأت فى 11 محافظة أخرى، وستبدأ المرحلة الثالثة فى مارس وإبريل.
لتتكامل معها مبادرة المستشفى النموذجية وهى من المبادرات التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى أيضًا فى يوليو 2018، ويهدف ذلك للنهوض بالخدمات الصحية لغير القادرين ويتضمن تجهيز وتشغيل مستشفى نموذجى فى كل المحافظات، ويهدف المشروع أيضا لتأهيل وإعداد المحافظات لتطبيق قانون التامين الصحى.
وتم اختيار 29 مستشفى فى محافظات الجمهورية لتصبح مستشفيات نموذجية، تقدم أعلى مستويات الخدمة الطبية للمواطنين، دون أى زيادة فى الأسعار، ومنها مستشفى «الزهور، بورسعيد، السويس، بنى سويف، سمالوط، دمياط».
لكن كانت هناك معاناة أخرى لغير القادرين قضت عليها مبادرة إنهاء قوائم الانتظار للعمليات الجراحية وهى من المبادرات التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى لإنهاء قوائم الانتظار لتحقيق أعلى معدلات نجاح فى إجراء الجراحات العاجلة، وحققت المبادرة نسبة نجاح كبيرة، حيث تم إجراء 38 ألفا و799عملية جراحية، والانتهاء من 503 حالات جراحة أورام، و1703 حالات عظام، و8 آلاف و467 رمد، و55 حالة زراعة كلى، وتمت العمليات بالمجان دون دفع أى تكاليف.
لم تهتم أى حكومة من قبل بملف الصحة الذى حظى بأعلى درجات الاهتمام فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى مما أسفر عن تنفيذ 145 مشروعًا بتكلفة 1.8 مليار جنيه فى الفترة من يناير حتى ديسمبر 2018، حيث تم إنشاء وتطوير 73 مستشفى وعلاج 530 ألف مريض بفيروس سى وإجراء 75 ألف عملية جراحية، فى إطار مبادرة الرئيس السيسى للقضاء على قوائم الانتظار.
دائمًا ما يؤكد الرئيس فى كل خطاب يوجهه إلى الشعب المصرى، على ضرورة بناء الإنسان المصرى، ومن أهم جوانب بناء الإنسان المصرى التى يشدد عليها الرئيس هو الجانب الصحى، لذا فإن ملف الصحة على رأس أولويات اهتمامه الخاص.
ولإحساسى قبل أعوام مضت بمعاناة أهل مرضى فيروس سى، وما رأيته اليوم من ابتسامة على شفاه أهل مَن مَنّ الله عليهم بالشفاء من هذا المرض اللعين، كان لابد أن أقول لرئيس المصريين «لك 100 مليون شكر يا سيادة الرئيس».