"أنا كاتب مهم لسبب غير مهم هو قلة عدد المفكرين والكتاب فى هذا المجال".. هكذا افتتح المفكر السورى فراس السواح، أستاذ الميثولوجى وتاريخ الأديان، لقاءه الفكرى بمعرض القاهرة الدولى للكتاب، والذى قال فى ندوة استضافتها القاعة الكبرى: حين بدأت الكتابة كانت تلك المنطقة تمر بمرحلة نضوب فى الإبداع.
واستكمل فراس السواح، لذلك لا نجد كثيرًا من الكتاب والمفكرين اهتموا بهذه المنظومة المعرفية، وإن وجد مفكر مهم ومبدع يتفادى الدخول فى منظومة تاريخ الدين والميثولوجيا فهى مسائل تخيف الباحثين لأنها تسبب مشاكل مع الفكر الدينى السائد والمؤسسات الدينية، وما حدث لنصر حامد أبو زيد فى مصر كارثة ثقافية مثل إعدام سقراط.
وقال السواح: نحن نحتاج لفهم جديد للنص المقدس، فقد تمت صياغة نسخة الإسلام التى وصلتنا فى القرنين الثانى والثالث الهجرى، مضيفًا نحن نعيش فى القرن الواحد والعشرين ولكننا فى الماضى.
وعن رحلته الفكرية قال "فراس": دخلت السباق فى هذا المجال كفارس وحيد وحين تدخل السباق وحيدًا لا يمكن أن تكون إلا رقم واحد.
وتابع: منذ كتابى الأول مغامرة العقل الأولى وأنا أغرد خارج السرب فانتمى لفكر متمرد لا يقبل الموروث القديم إلا بإخضاعه للرؤية النقدية، ويجب أن نخضع للعقل كل ما يردنا، وحين تغرد خارج السرب سيكون لديك رؤية موضوعية لتفهم ما يجرى.
واستطرد: كل المبدعين عبر التاريخ خرجوا من السرب فالإبداع أن تكون خارج السرب ليحتد بصرك وترى جيدًا، حافظت على بقائى خارج السرب.
وتحدث السواح عن كتابته فقال: أثبتت عبر كتاباتى وحدة التجربة الدينية لدى الإنسان فمنذ العصر الحجرى مرورا بكل الأديان بحثت أن الأسس المشتركة واحدة فى جميع الأديان وقدمت البراهين على ذلك فلا يوجد حضارة لم تتأثر بغيرها، الثقافة اليونانية تأثرت بشكل مباشر بالثقافة السورية، ولكنها شقت طريقها بمفردها، ونستطيع أن نتابع فى الثقافة اليونانية الأصول السورية للآلهة، فالإله أبوللو هو الإله بعل السورى.
وعن الثقافة السورية قال السواح: كانت المحرك الأول للثقافة المصرية وكان هناك طريق بحرى، وفن العمارة السورى ظهر قبل المصرى لكن مصر شقت طريقًا مختلفا تمامًا وأسست حضارة لا مثيل لها فى العالم.
وعن المسيحية أوضح المفكر المتخصص فى علم الأديان أن المسيحية التى عرفها الغرب ليست هى المسيحية الشرقية، حيث نشأ المسيح فى الشرق ثم جاء مؤلفو الأناجيل وحدثونا عنها وبعد ذلك جاء بولس الرسول وهو صفحة جديدة تماما فى تاريخ المسيحية، فقد كان يهودى الدين وهيلينى الثقافة، واسمه شاؤول وهو اسم يهودى واسمه الثانى بولس وهو اسم يونانى وما قدمه وأضافه بولس على مسيحية يسوع "كثير".
واعتبر السواح أن يسوع ليس مؤسس المسيحية التى نعرفها اليوم بينما بولس هو من أسس المسيحية الأوروبية، والأناجيل كتبت باليونانية، والمسيحية التى نعرفها حاليا هى نتاج فكر فلسفى أوروبى وبعد مجمع نيقية خرجت المسيحية تماما من المشرق وتحولت لدين أوروبا، لذا فإن المسيحية بدأت شرقية وانتهت أوروبية.
وتابع فراس السواح، الأناجيل نطقت بالآرامية ثم تمت كتابتها باليونانية وبعد ذلك أعيدت ترجمتها للآرامية مرة أخرى، مضيفا، ما استطعت البرهنة عليه، هو أن يسوع كان ينتمى لفرقة غنوصية وأن يوحنا المعمدان كان أستاذه وينتمى لفكر غنوصى.
وأشار "فراس" إلى أن الأديان الإبراهيمية تنتمى لدائرة ثقافية واحدة بالتالى لابد من وجود تشابه بينها، فكلها نشأت فى الشرق والتشابه محتوم، مستكملًا: الإسلام ظهر فى هذه الدائرة الثقافية ولو الإسلام ظهر فى الهند لاختلف تماما، ولظهر دين مشابه لأديان الهند مثل بوذا الذى أسس ملة جديدة بعد أن كان راهبًا بوذيًا.
أما عن التشابه بين الإسلام واليهودية فقال السواح، إنه يقتصر على وجود الشريعة، فالمسيح حرر أتباعه من اليهودية وجاء بولس وقال الشريعة لعنة وعلينا أن نتخلص منها، وتخلص منها وخلق قطيعة مع كنيسة أورشليم وأسس كنيسة الأمم، وبعد بولس اختفت كنيسة أورشليم.
وتابع "فراس": التناص بين القرآن والإنجيل واضح، ونفس المنظومة الأخلاقية فى الدينين موجودة لكن القرآن قدم منظومة أكثر تكاملًا.
ورأى "السواح" أن المنظومة الأخلاقية القرآنية لا تتفوق عليها منظومة فى العالم، وهى متداخلة مع منظومة الإنجيل، والقرآن روى إنجيلا خامسًا مثل قصص وميلاد يسوع ويوحنا المعمدان، مشيرًا إلى أن المسيح إذا علق على الصليب فعلا فقد نجا منه.
وأضاف أن المسيح قام حقا لكنه قام روحيا وليس جسديا، موضحا اليهود كانوا منقسمين (صديقيين وفريسيى) حول قيام الروح بعد الموت أو خمولها، لذلك حين حوكم بولس الرسول قال لهم أحاكم على قيامة الموتى فقيامة المسيح صحيحة، لكنه قام روحيًا، لأن روح الإنسان تقوم بعد الموت فقد قال لهم سأقوم لهم فى اليوم الثالث، الروح تبقى ثلاثة أيام فى القبر عند المصريين القدماء وكل العقائد ثم تغادر وتعود لبارئها.
وأوضح "فراس السواح" أن قبيلة قريش شامية استقرت فى مكة قبل قرن ونصف، كما أن نصف لغاتهم مزيج من العربية والآرامية، وعربية الرسول محمد كانت عربية خاصة تحتوى على الكثير من المفردات المشتركة بين العربية والآرامية.
واستكمل: لدينا كلمات كثيرة فى القرآن لم يعرف المفسرون معناها، لأن علم التفسير ظهر فى القرن الثانى والمفسرون وقتها لم يكونوا يعرفون لغة القرآن وإن كانت لغة عربية فكيف لم يعرفها هؤلاء الناس، والكلمات التى صرنا نعرفها اعتمادا على العبرية والآرامية هى جزء أساسى من لغة النبى محمد، والمساحة المعرفية المتاحة لنا تجعلنا أكثر قدرة على تفسير القرآن من مفسرى القرن الثانى.
وعن القرآن قال إنه نص إشكالى لأن لدينا منه 20 تفسيرا، ولدينا رجال دين عقولهم خارقة ولكنها مغلقة.
واختتم: مؤمن مثل كل خريجى الأزهر لكن لا أسمح له بالسلطة على، متابعًا: القرآن هو النص العربى المدون الأول وكل ما سبقه مشكوك فى وجوده، مثل المعلقات والشعر الجاهلى وكل هذا غير مدون ومشكوك فى وجوده.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة