الأزمة المشتعلة الآن فى فنزويلا هى فصل من أزمة ممتدة طوال سنوات، وتعود بعض عناصرها إلى عقدين من الزمن، آخر فصول إعلان رئيس الجمعية الوطنية خوان جوايدو نفسه رئيسا للبلاد، فى مواجهة الرئيس المنتخب نيكولاس مادورو، الأمر الذى فجر موجة من الفوضى، سقط على إثرها عشرات القتلى والجرحى، وينقسم المتظاهرون إلى معارضين للرئيس مادورو، وآخرين مؤيدين له.
وقد أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية تأييدها لجوايدو واعترفت به رئيسا مؤقتا للبلاد بدعوى التضامن مع مطالب الشعب الفنزويلى، وتبعها فى ذلك العديد من دول الأميريكتين، وراهن جوايدو على دعم الجيش، وقالت صحيفة «النويبو دياريو» الإسبانية، إنه على الرغم من شعبية جوايدو الكبيرة والتأييد الذى حظى به بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التى تسبب بها الرئيس مادورو، إلا أن هناك خبراء ومراقبين دوليين يرجحون أن مادورو سوف يحتفظ بالسلطة، لأنه لا يزال مسيطرا على المؤسسات الرئيسية فى البلاد، محذرين من اتجاه كاراكاس إلى مواجهة خطيرة، تضاعف من احتمالات فوضى تعجز السلطة عن مواجهتها.
وفنزويلا على الساحل الشمالى لأمريكا اللاتينية تمتلك بالإضافة للنفط ثروات طبيعية وتعدينية، قمم جبال الإنديز المغطاة بالثلوج فى الغرب، وغابات الأمازون فى الجنوب، وصولاً إلى شواطئ الكاريبى فى الشمال، ويعيش فى فنزويلا 30 مليون نسمة، وتمتلك أكبر مخزون من النفط فى العالم، وكميات كبيرة من الفحم والحديد والذهب، ومع كل هذه الثروات يواجه الشعب مجاعة وفقرا وتدهورا اقتصاديا واجتماعيا متصاعدا منذ خمس سنوات.
وبينما يحمل الرئيس الفنزويلى مادورو وحزبه المعارضة والولايات المتحدة المسؤولية عن الأزمة، حيث تفرض أمريكا حصارا على فنزويلا منذ توتر العلاقات عقب تولى الرئيس السابق هوجو شافيز السلطة، وإعلانه الحرب على الشركات الأمريكية والمستثمرين وتوقفت أمريكا عن استيراد نفط فنزويلا، وتولى الرئيس الحالى نيكولاس مادورو منصب الرئيس بالنيابة بعد وفاة شافيز فى مارس 2013، وفاز فى الانتخابات الرئاسية، وسار على سياسات شافيز.
وتتحمل واشنطن جزءا من المسؤولية، لكن المعارضة تحمل مادورو وحزبه مسؤولية الفشل، حيث عجز مادورو عن علاج تداعيات الأزمة الاقتصادية التى تركتها سياسات الرئيس السابق هوجو شافيز الذى أعلن بعد توليه السلطة عام 1998، مساندة الفقراء وخصص الجزء الأكبر من عائدات النفط لبناء مساكن لسكان عشش الصفيح، وبرامج التنمية الاجتماعية، لكنه لم ينخرط فى تنمية صناعية وزراعية وعجز عن مواجهة الحصار الأمريكى بعلاقات مع الدول الكبرى، خاصة أن شافيز تولى بعد انتهاء الحرب الباردة، وفى ظل تفكك الاتحاد السوفيتى، وبالرغم من إعجاب شافيز بتجربة عبدالناصر فى مصر لم يعرف أن التجربة الناصرية كانت فى عصر القطبية، واعتمدت على التنمية المستقلة والتصنيع والتعليم، وكان الـتأميم والقطاع العام من مفردات العصر حتى فى أوروبا، فضلا عن منظمات عدم الانحياز، ووجود رأى عام دولى يقوم على التوازن.
وبالتالى فإن أنصار الرئيس مادورو يتهمون المعارضة بركوب الأزمة بحثا عن السلطة، فإن السلطة تواجه معارضة ضخمة، وتفتقد إلى دعم حتى من الفقراء الذين يفترض أنهم استفادوا من عوائد التنمية لأنهم عادوا للفقر ويعانون من الجوع والفوضى، ولهذا ترى المعارضة أن مادورو فشل ولم يعترف بخطأ السياسات الاقتصادية القائمة على إنفاق عائدات النفط من دون تنمية، وأن الفقراء ظلوا فقراء وابتلع الفساد الثروة، وأن المعارضة تسعى لإنهاء الحصار الأمريكى وتدعو لإطلاق برنامج إصلاح اقتصادى ينقذ اقتصاد البلاد الغنية.
وعليه فإن رئيس الجمعية الوطنية خوان جوايدو الذى أعلن نفسه رئيسا للبلاد، يحظى بدعم قطاعات مختلفة مالية وسياسية وعلى قطاع من الجيش، بينما يعتمد الرئيس نيكولاس مادورو على السيطرة على المؤسسات والجيش، ويسعى للحصول على تأييد دول مثل الصين وروسيا، لكن هذا الصراع يضاعف من آلام الشعب الفنزويلى، ويضاعف من الأزمة الاقتصادية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة