تظل القاهرة المدينة الصاخبة والغنية بل والمزدحمة بكل تفاصيلها المتنوعة واحدة من أكثر المدن تنوعاً ثقافياً وحضارياً فى العالم، حيث شهدت العديد من الحقب التاريخية على مر العصور القديمة والحديثة، التى تركت معالمها محفورة ليس على الجدران فقط بل والعقول، فأصبحت متحفاً مفتوحاً يضم آثاراً فرعونية ويونانية ورومانية وقبطية وإسلامية.
تعد القاهرة أكبر مدينة عربية، من حيث تعداد السكان والمساحة، وتحتل المركز الثانى أفريقياً، والسابع عشر عالمياً من حيث التعداد السكانى، إذ يبلغ عدد سكانها 9.7 مليون نسمة، حسب إحصائيات عام 2018 يمثلون 10.6% من إجمالى تعداد سكان مصر.
ولأن المقاهى تمثل علامة بارزة فى شوارع القاهرة، التى اعتاد المصريون التجول فيها، ويجلسون على مقاهيها القديمة، ففيها مقاهى أقدم من دول عديدة.
حب المصريين للقاهرة غريزى، فهى عاصمتهم وواجهتم أمام العالم ويحبونها نظيفة وأنيقة، ويزعجهم أن يرونها غير جميلة، وحقيقة كان المشردون فى شوارعها من المناظر التى لا يحب المصريون رؤيتها فى مدينتهم، خاصة عندما يكونوا بصحبة ضيف، كانت الصورة مزعجة ومؤسفة «تكسف» بالمعنى الواضح الصريح، إلى أن أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسى مبادرة وطنية جديدة تحت رعايته المباشرة بعنوان «حياة كريمة»، تهدف إلى رعاية الفئات الأكثر احتياجًا، وتوفير الحياة الكريمة لهم خلال العام الحالى، حيث دعا الرئيس جميع مؤسسات وأجهزة الدولة، بالتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدنى، إلى توحيد الجهود بينهما لاستنهاض عزيمة المصريين لإنجاح تلك المبادرة الوطنية.
المبادرة الرئاسية ليست فقط لإيواء المشردين، لكن بها شقا للرعاية الصحية، يشمل تقديم خدمات طبية وعمليات جراحية، وتتضمن تنمية القرى الأكثر احتياجًا، طبقا لخريطة الفقر، وصرف أجهزة تعويضية، بالإضافة إلى توفير فرص عمل بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة فى هذه القرى والمناطق، كما ستسهم فى زواج اليتيمات.
لكن ما يهمنا منها الآن هو الشق الخاص بإيواء المشردين، فكانت كلمات الرئيس بمثابة إطلاق طاقات المصريين للقضاء على هذه الظاهرة المسيئة، فانطلقت مجموعة مبادرات لإيواء المشردين، ونقلهم من الشوارع للإقامة فى دور الرعاية مع توفير كافة أوجه الرعاية لهم.
وما أن قرأ المصريون كلمات الرئيس على صفحته بالفيس بوك حتى تفاعلوا معها، فبدأ عدد من المنظمات والجمعيات التواصل مع وزارة التضامن للتعرف على المبادرة بشكل متكامل، وتنسيق الجهود مع الوزارة، أملاً فى تحسين جودة الحياة للمواطنين الأكثر احتياجاً، ولم يتوقف الأمر عند المنظمات والجمعيات بل المواطنين أيضًا تفاعلوا لتقديم أفكار تخدم هذه المبادرة الإيجابية، كما شهدت مواقع التواصل الاجتماعى ردود أفعال إيجابية على هذه المبادرة، وعلق رواد هذه المواقع بقولهم إنه إذا كان الرئيس عبدالفتاح السيسى يعتبر أن المواطن المصرى هو البطل، فإنه يتعين علينا أن نتعاون جميعا، من أجل إنجاح هذه المبادرة.
أما التحركات الحكومية فقد تعددت، وكان من أهمها تلك التى أطلقتها وزارة التضامن الاجتماعى، واعتمدت على خبرات سابقة من خلال تجربة أطفال بلا مأوى، وبدأت حملة إنقاذ لهم، خاصة بعد موجة البرد التى ضربت البلاد خلال الأيام الماضية.
وكنت قد تلقيت من الزميل الدكتور محمد العقبى، المتحدث باسم وزارة التضامن الاجتماعى، مجموعة من الأرقام والمعلومات المهمة ومنها أن مشروع التدخل السريع بدأ فى 2014 ونجح فى إنقاذ ما يقرب من 1400 مواطن، وهناك أيضاً 17 وحدة متنقلة فى معظم محافظات مصر، وكل هذا يعمل تحت رعاية الدكتورة غادة والى مباشرة، فكان من نتائجه تطوير 6 دور رعاية لأطفال بلا مأوى، هذا المشروع الذى بدأ 2016 بتكلفة 164 مليون جنيه منها 114 مليونًا من صندوق تحيا مصر و50 مليونًا من الوزارة، وتم إنقاذ 18 ألف طفل بلا مأوى وبعد المبادرة الرئاسية، تم دمج هذه الفرق المدربة بوحدات التدخل السريع مع القائمين على مشروع أطفال بلا مأوى فى مبادرة إنقاذ المشردين، وخلال 10 أيام أسفرت جهودهم عن إنقاذ ما يقرب من 1500 متشرد مستغلين الخبرات السابقة، وأيضاً تطويرها، فبعد أن كانوا يتعاملون فقط مع البلاغات يعملون الآن بخطوط سير فى المناطق بالإضافة للبلاغات الواردة.
كما تنشط وحدات متنقلة بها مجموعة من الشباب المدربين لتقديم المساعدة والإغاثة للمشردين، وهى مهمة أصبحت أكثر إلحاحًا هذه الأيام مع ما تشهده البلاد من طقس متقلب وبرودة شديدة.
السيارات المتنقلة تجوب الشوارع والميادين التى قد يوجد بها بعض الحالات المشردة والمفقودين أو الأطفال والكبار، الذين فقدوا المأوى وسرعة إنقاذهم وتقديم يد العون والمساعدة لهم، تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية بتوفير «حياة كريمة» للفئات المجتمعية الأكثر احتياجاً خلال العام 2019.
البداية من معرفة هؤلاء الشباب بأماكن المشردين أو من خلال تعاون الأهالى وتفاعلهم مع الحملة، حيث يقوم المواطن بالإبلاغ على الخط الساخن، وتأتى السيارة ويبدأ الشباب بانتشال المشردين من الشوارع بعد الحصول على بعض بياناتهم، ويقومون بتنظيفهم ونقلهم للإقامة فى الدار التى تقدم كل أوجه الرعاية لهم من طعام وشراب وخدمات طبية واجتماعية وترفيهية، لحين التعرف على ذويهم أو بقائهم بشكل دائم فى الدار، إذا لم يتم التمكن من الوصول لذويهم.
بعض البيانات التى يحصل عليها الشباب تفيد أن المشردين الذين تم احتواؤهم تشير إلى استمرار ظاهرة لجوء نسبة كبيرة منهم إلى النزول للشوارع بغرض التسول، وهناك حالات منهم يقيمون بمساكن تابعة للمحافظة، وآخرون قادمون من محافظات أخرى، ويرفض الجميع التسكين فى دار للإيواء ويطالبون بالبقاء فى الشوارع، وهو الأمر المرفوض تماما، كما يتم تسليم الأطفال إلى ذويهم وأخذ التعهد عليهم بحسن رعايتهم.
الحملة تعكس حرص الدولة المصرية على توفير حياة آدمية لجميع مواطنيها، وهذا ما أكدته فاعلية الحملة فى الشوارع خلال الأيام القليلة الماضية، وذلك من خلال تواصل المواطنين معها لإبلاغ وزارة التضامن عن وجود متشرد فى مكان ما على الرقم الساخن 16439 أو على الرقم التابع لمجلس الوزراء 16528 عن أماكن وجود المشردين حتى وصل عدد الذين تم التعامل معهم حتى كتابة هذه السطور ما يقرب من 1500 متشرد تم إنقاذ معظمهم من الموت فى الشارع.