فى يوم 19 فبراير 1921 انبعثت الصرخة الأولى لطفلة قدر لها أن تصبح واحدة من أشهر نساء مصر.. كانت فاطمة الزهراء – زوجة المعلم محمد على النيدانى قد وضعت طفلة، ولم يكن ميلاد الطفلة فى الإسماعيلية، بل كان فى قرية المنزلة، حيث ذهبت فاطمة منذ سفر زوجها إلى جدة لتقيم فى بيت أخيها.
ولأن الأب كان غائبا يوم ميلاد الطفلة التى لم ترث عن أمها شيئا سوى ذلك النمش الكثير والكلف الذى يغطى الوجه واليدين، فإن فاطمة الزهراء أبت أن تطلق عليها اسما قبل عودة الأب من سفره الطويل.
جاءت هذه الطفلة إلى الدنيا وكأنها صورة مصغرة للأب ورثت عنه كل شىء، اليدين الكبيرتين، والقدمين الرشيقتين، والقوة والشخصية المتميزة بالاقتحام دون خوف.
والذين تتبعوا حياة تلك الطفلة منذ مولدها حتى اليوم.. يعرفون ويدهشون فى نفس الوقت، لذلك التشابه الغريب بين أخلاقها وأخلاق البحارة.. هؤلاء الرجال ذوو الطباع الخشنة والقلوب الشديدة الطيبة الذين يقتحمون الأهوال، ويواجهون الأخطار.. لا لشىء إلا لكى يصلوا إلى الشاطئ، حتى إذا ما رست بهم السفينة أياما، انتابهم قلق لا يزول إلى عندما يبارحون الشاطئ من جديد، يخوضون ملحمة الطبيعة، بحثا عن شاطئ آخر!
أما النمش الذى ورثته عن أمها، فلقد قدر له أن يزين الوجه لربع قرن من الزمان، حيث اضطرت إلى أن تهرب من مصر إلى الولايات المتحدة الأمريكية فى أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وجلس المعلم على النيدانى بجوار أمه على الكنبة، يستعد لاستقبال الخبر الذى زف إليه منذ ساعة.. كانت علامات السعادة تطرد من ملامحه علامات التعب والإجهاد، وكان قد قرر أن يسافر فى الصباح إلى المنزلة.. وابتسمت الأم وهى تدرك بغريزتها ما يعتمل فى نفس ولدها، فقالت على الفور:
«ناوى تسمى المولودة إيه»
كان المعلم على النيدانى، يعلم رغبة أمه فى تسمية المولود باسم السيد البدوى، فسألها : «إيش قولك إنتى يا أمه؟».
قالت: «بدوية».
فقال المعلم على:
«وحياة النبى دى تبقى تحية» وهكذا استقر رأى الأم والابن معا، على أن يصبح اسم الطفلة التى ولدت منذ يومين «بدوية تحية»!
وفى ضحى اليوم التالى، أى يوم 22 فبراير عام 1921 كان «المعلم على « قد وصل إلى المنزلة، فسجل ميلاد الطفلة فى دفتر المواليد تحت اسم «بدوية تحية محمد على أبو العلا النيدانى كريم».
من كتاب مذكرات كاريوكا لـ صالح مرسى عثر عليها محمد توفيق وصدرت عن دار نهضة مصر.