ننتظر معرض القاهرة الدولى للكتاب، الذى يفتح أبوابه بعد أيام، وحينها سوف يعلو صوت الثقافة على كل شىء، ويأخذ المثقف بعض حقه ويظهر أثره فى الحياة، لكن من هو المثقف القادر على التأثير فى المجتمع؟ ما هى شروطه وكيف تكون صفاته؟
هل هو ذلك الكاتب الذى يظل يكتب ويوجه الجميع للصواب والخطأ وإلى ما عليهم فعله وما عليهم تجاهله؟ أم أنه القارئ الذى يسعى خلف المعرفة فيتأثر بها ويشغل نفسه بالتعرف على دقائقها ومحتوياتها ثم يتمثل ذلك فى نفسه؟ كنت من قبل كتبت ما قالته الكاتبة الفرنسية ذات الأصول المغربية ليلى سليمانى التى فازت بجائزة الجونكور عن روايتها أغنية هادئة، والتى اختارها، الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لتكون ممثلته الشخصية فى الأنشطة الفرانكفونية، والآن سوف أعيد ما كتبته فى هذه الشأن.
هذه الكاتبة أجرت حوارا نشر فى جريدة «الحياة» وفيه توجهت إليها الكاتبة مايا الحاج بسؤال يقول: «فى مشهد عربى ملتهب سياسيا وأمنيا، إلى أى مدى يمكن الكتاب أن يغير من سوداوية هذا الواقع؟» وكانت إجابة ليلى سليمانى: «ليست الكتابة هى المسؤولة عن التغيير وإنما القراءة. أقول دائما، إن الأهمية ليست للكاتب بل للقارئ، الشخص الذى قرأ «البؤساء والجريمة والعقاب»، مثلا لا يمكن أن يكون كما الشخص الذى لم يقرأهما، لأن نظرتنا إلى المجرم تختلف، وموقفنا من البؤس يتبدل، لذلك أعتبر أن الثورة الحقيقية يجب أن تكون ثقافية أولا، مع الأسف، نسبة الأمية فى المغرب من أعلى المعدلات عربيا بعد اليمن على ما أظن، لذلك أرى أن المشكلات الكثيرة فيه لن تجد الحلول إلا مع انخفاض هذه النسبة وازدياد عدد القراء، حين نعود إلى تاريخ مصر أو لبنان نجد أن عواصم هذه الدول كانت فى فترة ما أشبه بباريس ولندن، لكن الظروف ساءت ولا يمكن تحقيق أى خطوات مؤثرة إلا من خلال جيل قارئ اكتمل وعيه بالعلم والمعرفة والكتاب، كلما قرأنا واطلعنا وتسلحنا بلغات وثقافات تطورنا وطورنا واقعنا، أنا أؤمن أن التقدم يحصل دائما بالقراءة والانفتاح».
انتهت إجابة ليلى سليمانى التى أتفق معها تماما، الكتابة ليست هى ما تنقصنا، بل ما ينقصنا حقيقة هو القارئ الذى يتأمل ما يقرأه ويتدبر معانيه، لأن القراءة فقط دون تفحض ما نقرأة ليست بذات فائدة كبيرة، وفى الحقيقة نحن لدينا أزمة فى القارئ بشكل عام، وطبعا لدينا أزمة فى القارئ المتمعن المتدبر لما يقرأه.