على الرغم من محاولات تنظيم "الحمدين" الحاكم فى قطر التحليق بعيدا عن محيطها العربى والخليجى، عبر الارتماء فى أحضان القوى غير العربية، وعلى رأسها إيران وتركيا، تبقى البيئة الجغرافية للإمارة الخليجية بمثابة المعضلة الرئيسية التى تواجهها، وهو ما يبدو واضحا فى العديد من الأزمات التى واجهتها منذ بداية قرار المقاطعة الذى اتخذته الدول العربية الداعمة لمكافحة الإرهاب فى يونيو من العام الماضى، والذى ترك تداعيات سلبية ليس فقط على الدور السياسى الذى طالما سعت الدوحة للقيام به فى إطار محاولاتها لفرض نفسها كقوى إقليمية فاعلة، ولكن أيضا ساهم فى تقويض طموحاتها الرياضية.
ولعل حديث رئيس الاتحاد الدولى لكرة القدم "الفيفا" جيانى إنفانتينو عن ضرورة توسيع دائرة تنظيم مونديال 2022، ليشمل دولا خليجية أخرى، والذى تكرر للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع، دليلا دامغا على عجز الإمارة الخليجية عن تنظيم الحدث الرياضى الأبرز فى العالم، على عكس التوقعات التى دارت إبان اختيارها قبل عدة سنوات، فى ظل الإمكانات المادية الكبيرة التى تحظى بها، وذلك بالرغم من التبريرات التى يسوقها الرجل حول زيادة عدد المنتخبات المشاركة فى البطولة ليصل إلى 48 منتخبا، معتبرا أن الإمارة لا يمكنها استضافة هذا العدد من المنتخبات.
البعد الجغرافى.. الأموال وحدها لا تكفى
ولكن يبقى حديث إنفانتينو، من قلب دولة الإمارات العربية المتحدة، حول توسيع المشاركة التنظيمية للبطولة، وإشارته إلى إمكانية وضع أبوظبى فى دائرة النقاش حول المشاركة فى تنظيم المونديال، له دلالات رمزية مهمة، على رأسها التركيز على أهمية البعد الجغرافى، والذى يتجاوز فى أهميته أبعاد أخرى وضعتها الإدارة السابقة للفيفا كأولوية قصوى أثناء اختيارها للدولة المنظمة للمونديال، وعلى رأسها الإمكانيات المادية، والتى صورتها الإمارة بأنها السبيل الوحيد لتجاوز كافة التحديات التى تواجهها، سواء من حيث إقامة المنتخبات أو الملاعب أو حتى درجات الحرارة المرتفعة التى من المتوقع أن تسود أجواء البطولة.
جيانى انفانتينو
إلا أن قرار المقاطعة العربية، على ما يبدو، ساهم فى إيجاد تحديات أخرى لا يمكن للإمارة أن تتجاوزها بفضل إمكاناتها المادية الكبيرة، وعلى رأسها حالة المقاطعة الجماهيرية التى قد تشهدها البطولة حال استمرار "الحمدين" فى التغريد بعيدا عن السرب العربى، بالإضافة إلى عجزها عن الوفاء بالتزامها تجاه أعمال البنية الأساسية المرتبطة بالبطولة بسبب قرار دول الجوار بإغلاق الحدود مع الإمارة بسبب دعمها للإرهاب، ودورها فى زعزعة استقرار المنطقة والتهديدات التى تفرضها على أمن دولها.
اعتذار ضمنى.. دعوة الإمارات رسالة جديدة لـ"الحمدين"
وهنا تمثل دعوة "الفيفا" لدولة الإمارات للمشاركة فى تنظيم المونديال، ليس فقط مجرد صفعة جديدة يتلقاها "الحمدين"، لتكمل سلسلة الصفعات التى تلقتها الإمارة الخليجية المارقة منذ بداية المقاطعة العربية، وإنما أيضا بمثابة اعتذار رسمى عن الرؤية القاصرة التى تبناها الكيان الحاكم لكرة القدم إبان اختياره لها لتنظيم حدثا يكبرها فى قيمته الرمزية الجغرافية، خاصة وأن كرة القدم تمثل اللعبة الشعبية الأولى فى العالم، بينما تبقى قطر أحد أصغر الدول مساحة على سطح الكوكب.
بلاتر يعلن اختيار قطر لتنظيم المونديال
وتمثل دعوة الإمارات للمشاركة فى تنظيم الحدث العالمى رسالة دولية جديدة لقطر، ربما جاءت من مسئول رياضى بعد شهور طويلة من الرسائل التى قدمها ساسة العالم للإمارة الخليجية، تحمل فى جوهرها نفس المغزى الذى يقوم فى الأساس على ضرورة أن تعود الدوحة إلى محيطها العربى والخليجى، إذا ما أرادت أن تلعب دورا بارزا، إلا أن رسالة إنفانتينو ربما أثارت الانتباه إلى أن الخطر الذى يواجه قطر لا يقتصر على تقويض دورها فى الشأن الدولى أو السياسى، وإنما يمتد كذلك إلى القوى الناعمة التى تسعى الإمارة إلى فرض نفوذها من خلالها، وعلى رأسها البعد الرياضى، وفى القلب منه كرة القدم.
على وشك الانهيار.. الفيفا تحاول إنقاذ المونديال
ويعد إصرار الفيفا على اختيار دول خليجية أخرى لتنظيم المونديال انعكاسا صريحا لمحاولاتها إنقاذ البطولة التى ربما أصبحت على وشك الانهيار قبل بدايتها بسنوات، بسبب العلاقات المتوترة بين قطر وجيرانها العرب، وهو ما سوف يؤثر على الحضور الجماهيرى للمباريات، وبالتالى تقليص المكاسب المتوقعة من البطولة.
قطر تفشل فى الوفاء بالتزاماتها لإنهاء المشروعات المتعلقة بتنظيم المونديال
لعل تراجع الفيفا عن قرار اسناد البطولة العالمية لقطر بمفردها انعكاسا صريحا عن الفضائح التى التصقت بالإمارة فى السنوات الماضية، وعلى رأسها تلك التى ارتبطت بالانتهاكات ضد العمالة التى شاركت فى أعمال البنية الأساسية المرتبطة بالمونديال، بالإضافة إلى تورط مسئولى الإمارة فى تقديم رشاوى لكبار مسئولى الفيفا للحصول على أصواتهم أثناء اختيار الدولة المنظمة للحدث العالمى، وهو ما ساهم فى زيادة المطالبات بسحب تنظيم المونديال من الدوحة وبالتالى لم تجد الفيفا مفرا سوى توسيع دائرة الدول المنظمة كحل وسط لتخفيف الضغوط التى فرضت عليها خلال السنوات الماضية، سواء من الدول أو حتى من المنظمات الدولية والحقوقية فى العديد من دول العالم.