لو استقامت المؤسسة الأزهرية على طريق خطه الإمام الأكبر الدكتور الطيب أحمد الطيب فى رسالته إلى العالم من أرض مصر فى افتتاح كاتدرائية «ميلاد المسيح »، لكسبنا المستقبل، ولربحنا ميلادا وطنيا باهرا، ولعمت المحبة القلوب جميعا، ولكان على الأرض السلام وبالناس المسرة.
ما قرره الإمام الأكبر فى كلمته القصيرة فى حضرة الرئيس والبابا وأهل مصر جميعا، يؤسس لعهد جديد، عقد اجتماعى جديد ينعم فيه المسيحيون فى وطنهم بحقوق المواطنة كاملة غير منقوصة، ينهى عهد الذمة، وعهد الوصاية الدينية، ويؤسس من جديد على قاعدة «لهم مالنا وعليهم ما علينا »، لهم الحق فى حرية العبادة والمعتقد، والحق فى بناء الكنائس ورفع الصلبان وارتفاع المنائر وإقامة الصلوات ودق الأجراس تسمعها آذان المحبة فتهلل وتكبر، لأنها بيوت الله يذكر فيها اسمه.
رسالة لمن ألقى السمع وهو شهيد ويشهد أن الإمام الأكبر من سدة المشيخة الأزهرية يفتتح كاتدرائية هى الأكبر والأروع فى تاريخ المحروسة، أمام المسلمين يفتتح كنيسة المسيحيين، ينادى بمحبة إخوة الوطن، والحرص عليهم ومودتهم وحمايتهم، يا لها من لحظة باهرة سيقف أمامها الزمان طويلا.
رسالة ضافية، قوية، واضحة، رسالة كالموج تكنس ركام الفتاوى التى قيلت فى أزمان سحيقة، وفى ظروف بغيضة، وفى حروب رفع فيها الصليب زورا وبهتانا، والصليب أرفع وأسمى أن تهدر الدماء من تحت أقدام حامليه، الصليب إشارة وبشارة لحامل لواء المحبة الذى تكلم فى المهد صبيا، صليب عيسى الناطق بالمحبة عليه السلام. الإمام الأكبر يمسح عن وجه الإسلام الحنيف رذاذ فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يقل بها حبيبه المصطفى عليه أفضل وأتم السلام، يعود بنا إلى الأصول الإسلامية التى تعنى بأصحاب الديانات، وتوفر لهم ما للمسلمين من حقوق، يعود بهم وبنا وبالمسلمين جميعا إلى منبع الإسلام الصافى الذى أوصانا بالرحمة والتعاطف، ورسم حقوق المواطنة فى «عهد المدينة » الذى أشرقت بنوره طلائع الإسلام تنير الأرض وتزرعها بالمحبة.
مولانا يتبرأ من فتاوى جاوزها الزمان، ويبرئ الإسلام من مأثورات لم ترد فى الكتاب، ولا قال بها الحبيب الذى تنزل عليه القرآن بالحق، قالها كلمة حق فى حق إخوتنا واستحقاق لإخوتنا، وبراءة لديننا الحنيف، ورسالة إلى كل من تلوث سمعه وشاه بصره وحاد عن الخط القويم، إنها بيوت الله يذكر فيها اسم الله.
الإمام الطيب يؤذن بمراجعة فقهية شاملة لفقه المواطنة، مراجعة علنية، الإمام يؤسس لفقه المحبة على هدى من قرآن وسنة، يواجه بشجاعة وعلانية «فقه الكراهية » الذى استشرى فى البلاد فأورثها الفساد، يراجع مختارا، يراجع بمسؤولية، يراجع بأفق إسلامى رحيب، يراجع برسالة عالمية، يراجع فى خلق كثير ظنوا به سوءا، واعتقدوا فيه ما هو منه براء، فجاء إلى الكاتدرائية يسعى ينادى يا قوم، هم إخوتنا ولهم ما لنا وعليهم ما علينا. وعليه ما أسس له الإمام الأكبر فى ليلة عيد الميلاد خليق بتوقفنا أمام نفرته من أجل الحق، والحق أحق أن يتبع، وتبينا لمقاصد الشرع الحكيم الذى يوصينا بإخوتنا، وحب لأخيك ما تحب لنفسك، ومراجعة لكل ما نسب إلى الأزهر وهو منه براء، وما درس فى الأزهر بغير الحق، وما فاه به محسوبون على الأزهر بغير دليل ولا برهان، عصبة منهم كانوا يحرفون الكلم عن موضعه.
رسائل الإمام الأكبر فى ميلاد السيد المسيح كانت عنوانا رائعا لليلة رائعة، وفى ليلة رائعة مثل هذه، يصوب الإمام الخطى، ويرسم الطريق، ويقف مناديا بالمحبة، الإمام الطيب يحمل المشيخة وشيوخها أمانة قال بها، ويكلف مشايخ الأزهر بمهمة أوصى بها، ويرسم طريقا يسلكه الأزهريون من بعده إلى غاية منى هذا الوطن، يؤسس ل «فقه المحبة » فى مواجهة «فقه الكراهية ».. بوركت مولانا الطيب وبارك الله مسعاك.