لم يستغن الإنسان أبدا عن الدين، كان دائما فى حاجة إلى آلهة تأخذ بيده وترشده، لذا تعددت الآلهة قديما حسب تعدد الثقافات، ومن المناطق الحضارية القديمة التى كان للآلهة شأن كبير بها "بابل" ومن آلهتها عشتار ومردوخ، وهنا نحكى قصتهما من كتاب "أشهر الديانات القديمة" لـ لطفى وحيد.
يقول الكتاب "ساعدت ظروف مملكة بابل الجغرافية (ما بين النهرين) وخصوبة تربتها وسهولها الواسعة المفتوحة على حدود البلدان المجاورة لها بلا حواجز ولا موانع طبيعية أو صناعية على جعلها أرضا مفتوحة للغزو، ولقمة سائغة للطامعين من كل فج، وكان شعبها يعرف أن حياته مهددة دائما وعرضة للغزاة والطامعين، مما جعلهم يحاولون الحصول على مات يمكنهم من ملذات وملاهى فى نهم وعلى عجل دون ترو.
هكذا كان حال مملكة بابل القديمة أو حضارة ما بين النهرين فى الزمن القديم، حيث كان يهيش على أرضها وتحت سمائها أكثر من أربعة آلاف إله مثل كل منهم جزءا فى الطبيعة، السماء والهواء والأرض، والمياه والشمس والقمر، وأصبحت كل مجموعة منها مسئولة عن منطقة معينة أو مدينة كاملة بذاتها لا ينازعها فيها أحد.
وبمرور الوقت ظهرت معبودة رئيسية لكل البلاد وهة الألهة الأم، رغم أنها عذراء بكر تدعى "عشتار" واختصت نفسها بعدة وظائف وهى آلهة الخصب والخصوبة للأمهات والزروع والنباتات، وأيضا كوكبا للزهرة وتسمى (ملكات السموات والنجوم فقامت بالاتصال بإله الشمس ويقظة الربيع المدعو "تموز" حيث جعلت من نفسه محبوبة بما لديها من سلطة وحق، وقد كان مقدرا أن تنتشر عبادة الآلهة عشتار إلى القرب من فلسطين ومصر، لدرجة أن اتباع زرادشت لم يقووا على مقاومة نفوذها بعد تغيير اسمها إلى (أنا هيثا) أى الطارة، وجعلوا لها نفوذا يماثل نفوذ الآلهو الأعظم (أورمازدا) فى بلاد فارس.
وقد كان المنافس الأوح والأقوى للآلهة عشتار إله يدعى (ماردوخ) فى المدة من (2067 -2025) قبل الميلاد، ومع امتداد حجم مملكة بابل ازداد نفوذ (الاله مردوخ) الذى قفز إلى مرتبة العظمة أيضا وامتص نفوذ جميع الآلهة المحيطة بها فسلبها قوتها وحكمتها.
وتحكى الآياطير البابلية القديمة للسومريين (سكان بابل القدامى) قصص خلق آلهتهم (ماروخ) تقول "إن نظام العالم الحاضر نشأ فى الأصل عن نزاع بين آلة الشر والفوضى، وآلهة النور والنظام، ولكن الكهنة البابليين أعادوا كتابة المواد التى ورثوها وجعلوا "ماردوخ" بطل النزاع ضد آلهة الفوضى وخالق العالم والإنسان، وبعد أن رووا قصة مطولة عن هذا النزاع ذكروا فيها أسماء الآلهة المتنازعين، وانتهوا إلى أن "مردوخ" أمسك بزعيمة الآلهة (تيامات) وشقها نصفين.
وقد خلق بأحد النصفين القبة التى تمسك بالمياه فوق السموات وخلق بالنصف الآخر الغطاء المعلق فوق المياه تحت الأرض، ثم أنشا محطات للآلهة فى السموات، وخلق الإنسان من دم أحد الآلهة الذين صرعهم، ومن ثم صار "ماردوخ" رب الأرباب وسيد الآلهة".