يبدو أن الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، استسلم لضغوط مستشاريه وحلفائه فى المنطقة فيما يتعلق بالانسحاب الأمريكى الكامل من سوريا، مبديًا تراجعًا كاملاً عن قراره المثير الذى أعلنه الشهر الماضى، بسحب القوات الأمريكية، ليعلن الأنسحاب "بوتيرة مناسبة".
فالأيام القليلة الماضية حملت الكثير من السياسة الخارجية التى تتبعها إدارة ترامب، والتى غالبًا ما يتم اتخاذ القرارات فيها عن طريق تغريدات الرئيس الأمريكى الدراماتيكية تتبعها سياسات أكثر حذرًا تعكس وجهات نظر كبار المستشارين.
ففى 19 ديسمبر الماضىى، أعلن ترامب، عبر تويتر، انسحابًا سريعًا فى غضون شهر للقوات الأمريكية التى يبلغ قوامها 2000 جندى، التى تقاتل عناصر تنظيم داعش الإرهابى، شرق سوريا.
وقال ترامب، فى البداية، إن الانسحاب، الذى قرره بعيدًا عن المستشارين والجنرالات الذين عارضوا الفكرة، يجب أن يحدث بسرعة، مما ترك المخططين فى حالة ارتباك. ولكن مع تصاعد رد الفعل الحزبى على الخطة، التى تسببت فى استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس، قال ترامب وكبار المسئولين إنه سيحدث بشكل أكثر تدرجًا، لضمان عدم استعادة تنظيم داعش قوته وتوفير الحماية للأكراد، مما يحول دون استغلال إيران فراغ السلطة.
وفوجئ حلفاء الولايات المتحدة فى المنطقة، بما فى ذلك إسرائيل والأكراد، بالقرار الأول وسعوا مراراً وتكراراً لتوضيحات من إدارة ترامب، ثم أعلن مسئولون أمريكيون أن خطة الانسحاب سوف تمتد على مدار أربعة أشهر، وهو ما نقده الرئيس الأمريكى أيضًا قائلاً إنه لم يتحدد جدول زمنى للانسحاب.
ويبدو أن ضغوط الحلفاء كان لها الأثر الأبلغ على قرار ترامب، فخلال زيارة مستشار الأمن القومى الأمريكى، جون بولتون، لإسرائيل، هذا الأسبوع، قال إن الولايات المتحدة ستجعل انسحابها من سوريا مرهونًا بتطمينات تركية بشأن سلامة الأكراد وإنها ترغب أيضًا فى إجراءات لحماية القوات الأمريكية أثناء الانسحاب. وأضاف فى تصريحات للصحفيين، الأحد، أن الرئيس الأمريكى "يريد تدمير خلافة داعش".
زيارة بولتون للمنطقة، والتى تعقبها جولة وزير الخارجية مايك بومبيو، تهدف لشرح واحتواء الخسائر السياسية المحيطة بالانسحاب الأمريكى من سوريا، لاسيما فى ظل غضب الحلفاء وعلى رأسهم إسرائيل، من القرار.
وبينما نشرت صحيفة نيويورك تايمز، أمس الأثنين، تقريرًا حول خطة الأنسحاب الأمريكى، قالت فيه إن تصريحات بولتون فى تل أبيب تتناقض مع الخطة الأولى التى أعلنها ترامب، خرج الرئيس الأمريكى سريعًا عبر نافذته المعتادة على تويتر متهمًا نيويورك تايمز بالكذب وعدم الدقة، وشدد "لا اختلاف عن بياناتى الأصلية، سنغادر بوتيرة مناسبة بينما سنعمل فى الوقت نفسه على مواصلة مكافحة داعش والقيام بكل ما هو حذر وضرورى".
كما خرج البيت الأبيض، أمس الاثنين، مؤكدًا أن الرئيس دونالد ترامب يريد ضمان سلامة القوات الأمريكية مع انسحابها من سوريا، وإنه لم يغير موقفه بشأن سحب القوات. هذا التأرجح والارتباك بشأن القرار يطرح تساؤلات حول مصير أكثر من 2000 جندى أمريكى فى سوريا، مما يشكل عقبة أمام الدبلوماسيين والمخططين العسكريين.
لكن هذا التطور الأخير يتعلق أيضًا بالعجز التركى عن تحمل مسئولية قتال داعش، مثلما زعم الرئيس الأمريكى فى قراره. إذ نقلت صحيفة وول ستريت جورنال، مطلع الأسبوع، عن مسئولين أمريكيين رفيعى المستوى قولهم أن تركيا طلبت دعمًا عسكريًا أمريكيًا كبيرًا، يشمل الضربات الجوية والنقل والخدمات اللوجستية، حتى تتمكن القوات التركية من تولى المسئولية الرئيسية عن محاربة العناصر المتبقية من داعش فى سوريا.
وتعانى مؤسسات الأمن والدفاع التركية عدم استقرار وتصدعات لدى قيادات الجيش والاستقرار منذ حملة التطهير التى ساقها نظام الرئيس رجب طيب أردوغان فى البلاد، أعقاب محاولة الجيش الإطاحة به من الحكم فى يوليو 2016. وقدر حذر رئيس شرطة مكافحة الإرهاب السابق فى تركيا، أن حملة القمع التى شملت الشرطة والجيش والقضاء وغيره من الأجهزة، تركت الدولة فى يد موظفى مكافحة الإرهاب والاستخبارات غير المدربين وعديمى الخبرة.