بيشوى رمزى

أردوغان لا يتعلم دروس الماضى

الأحد، 13 أكتوبر 2019 11:11 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يبدو أن طموحات السيطرة لدى الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، لا تنتهى، وهو ما يبدو واضحا فى عدوانه الأخير على منطقة الشمال السورى، والذى يحمل ذريعة محاربة الإرهاب الكردى، على اعتبار أن أكراد سوريا يرتبطون بحزب العمال الكردستانى، والذى تضعه أنقرة فى قائمة التنظيمات الإرهابية لديها، إلا أن الواقع يبدو مناهضا لتلك الادعاءات، فالهدف الأول لدى النظام التركى، هو إعادة إحياء تنظيم داعش الإرهابى، ليكون الذراع الذى يمكن الاعتماد عليه فى المستقبل لتحقيق حلم الخلافة المزعومة، والذى تاق إليه أردوغان لسنوات عبر ما يسمى بـ"الربيع العربى"، والذى ساهم بصورة كبيرة فى تفكيك الأنظمة العربية وإضعافها، لتخلو له الساحة تماما، لولا ثورة 30 يونيو، والتى لعبت الدور الأكبر فى إعادة الأمور إلى نصابها من جديد.

كما أن المعركة الحالية، التى يخوضها النظام التركى، تمثل استمرارا للسياسة التى ينتهجها الديكتاتور، والتى تقوم على استدعاء شبح الحرب، لإلهاء الرأى العام الداخلى، فى ظل حالة من الغضب تتزايد يوما بعد يوم، جراء الانهيار الاقتصادى، والتراجع الكبير فى قيمة العملة المحلية (الليرة)، والذى أدى إلى هزيمته النكراء، فى مدينة إسطنبول، فى الانتخابات المحلية فى يونيو الماضى، على يد مرشح المعارضة أكرم إمام أوغلو، لتكون الهزيمة الثانية له من نفس المرشح فى غضون 3 أشهر، بعدما اتجه الرئيس التركى إلى إعادة الانتخابات بعد هزيمته الأولى فى مارس الماضى، وهو ما وضع أردوغان فى مأزق سياسى حرج، ليس فقط أمام المعارضة التى تتزايد شعبيتها، ولكن أيضا فى الدائرة الحزبية الضيقة المقربة منه، فى ظل تعالى الأصوات التى تعارضه داخل حزب العدالة والتنمية الذى ينتمى إليه.

إلا أن المفارقة الجديرة بالملاحظة، هى أن الرئيس التركى ربما لا يدرك جيدا دروس الماضى القريب، حيث إنه نسى، أو ربما تناسى، صفعات تلقاها واحدة تلو الأخرى، خاصة فى سوريا، من قبل الحلفاء الدوليين، بداية من إدارة الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، والذى بدأ حقبته باحتضان تركيا، ليتخلى عنه بعد ذلك بسبب ظهور صفقاته المشبوهة مع داعش إلى العلن، حتى توترت العلاقات بين الجانبين، فى أواخر عهد أوباما، إلى الحد الذى دفع أردوغان إلى اتهام الإدارة الأمريكية السابقة بدعم محاولة التحرك العسكرى للإطاحة به فى يوليو 2016، فى تحول رهيب فى العلاقة بين واشنطن وأنقرة، بعد سنوات من الاعتماد الأمريكى الكامل على أنقرة، خاصة خلال فترة الربيع العربى.

التحول فى العلاقة التركية الأمريكية دفع بقوة نحو لجوء أنقرة إلى الجانب الروسى، عبر الانضمام والمشاركة فى مظلة "أستانا"، التى تقودها روسيا، فى تحد صريح للغرب، وهو ما يمثل نجاحا منقطع النظير لموسكو، ليس فقط فى وضع اللبنة الأولى من الانقسام داخل حلف "الناتو"، ولكن أيضا عبر تجريد الأتراك من حلفائهم الغرب، وكذلك تجريد واشنطن، من أحد أهم حلفائها فى الشرق الأوسط، لتصبح تركيا رهن الإرادة الروسية، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع فى سوريا، خاصة وأن موسكو أصبحت المهيمن الرئيسى على الأوضاع على الساحة السورية، منذ دخولها على خط الأزمة فى عام 2015.

الضعف التركى تجلى فى أبهى صوره عبر اتفاق سوتشى، بين بوتين وأردوغان، عندما أملى الرئيس الروسى شروطه على أنقرة، والذى أجبر أنقرة على سحب الميليشيات الإرهابية الموالية لها إلى المناطق المنزوعة السلاح، وهو ما أذعن له أردوغان صاغرا، فى ظل غياب أية أوراق للمناورة.

هنا يمكننا القول بأن أردوغان أصبح بمثابة دمية يتناقلها أطراف الصراع على قمة النظام الدولى، حيث سعت كل من واشنطن وموسكو إلى استخدامه لتحقيق أهدافهما المرحلية فى إطار صراع النفوذ بينهما فى الشرق الأوسط، وهو الأمر الذى ربما يتكرر الآن، ففى الوقت الذى استخدم فيه ترامب رغبات أردوغان التوسعية ليكون ذريعته للانسحاب من سوريا وبالتالى تحقيق أحد وعوده الانتخابية، يبدو أن بوتين هو الآخر يستخدمه للضغط على الأكراد للقبول بسيادة الدولة السورية على الأراضى التى تقع تحت سيطرتهم.

ولعل تلويح واشنطن المتواتر بفرض العقوبات على أنقرة، والرفض الأوروبى المتصاعد للخطوات التركية فى شمال سوريا، بالإضافة إلى الموقف الروسى الباهت، دليلا دامغا على أن الرئيس التركى ابتلع الطعم من جديد، دون أن يتعلم دروس الماضى القريب، خاصة وأن المعركة فى سوريا لن تكون سهلة على الإطلاق، وربما تدفع بالاقتصاد التركى إلى أعماق الهاوية.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة