أحزان مصرية خالصة تتجدد كل عام مع إعلان اسم الفائز بجائزة نوبل في الآداب، فالمصريون وخاصة المثقفون مرتبطون ارتباطا وثيقا بنوبل للآداب تحديدا رغم فوزنا بالجائزة في مجالات أخرى، لكن يظل الأدب وحده هو الأقرب والوسيلة الأكثر شعبية وضمانا للوصول إلى الجائزة الكبرى.
هل تراجعت مصر في الأدب.. هل أصبح أقصى طموحنا الوصول إلى القائمة الطويلة أو القصيرة في جائزة مثل البوكر العربية وفي النهاية يصعب علينا الوصول إلى الجائزة نفسها؟
في البداية كان الترقب شديدا وكان لدينا دائما أسماء مهمة مرشحة لنوبل يمكننا أن ننتظر فوزهم بالجائزة، لكن بدأنا نفقد أدباءنا الكبار واحدا تلو الآخر، ودخل الأدب المصري في تفاهات البيست سيللر وطوابير حفلات التوقيع وتقديم أدب استهلاكي يرضي الناشرين بأرقام الطبعات المتعددة على حساب الأدب والكتابة نفسها، وأصبحنا بدلا من انتظار فائز مصري بالجائزة نترقب فوز كاتب عربي، وانحسرت الأسماء وانحصرت في اسم أو اثنين يمثلان الأدب العربي كله، يقترب سن كل منهما من الثمانين أو التسعين، لنكتشف أننا بعد أعوام ليس لدينا أي مرشح لنوبل يمكنه على الأقل أن ينافس ويخرج.
رحم الله أديبنا العظيم نجيب محفوظ الذي بشر المصريون بأنهم يمكن أن يفوزوا بنوبل بعيدا عن السياسة وعن معامل الفيزياء والكيمياء، فوز نجيب محفوظ تحديدا بنوبل هو فوز لكل مصري، لأن الموظف الأديب صاحب البدلة الصيفي التي لا تتغير إلا نادرا هو صورة منهم، المصريون يحبون الكتابة، ويمارسونها بأشكال مختلفة، وفي الغالب بمجرد أن تفتح حديثا مع أي شخص عن الكتابة ستجده يقول لك: أنا زمان كنت بكتب برضه وكان عندي كشكول مليان كتابة.
شروط الترشح لجائزة نوبل سهلة وبسيطة وتنطبق على 5 آلاف كاتب في مصر على الأقل، فهي تشترط أن يكون قد صدر للكاتب المرشح كتابين على الأقل، منهم كتاب في آخر عشوت سنوات، وأن تكون أعماله قد تناولت قضية الصراع البشري في مختلف مناحي الحياة. (بس كده).
جائزة نوبل هذا العام منحت لكاتبين مرة واحدة عن عامي 2018، 2019، بعد أزمة الفضيحة الجنسية التى هزت أرجاء الأكاديمية العام الماضى، وجعلت الجهة المانحة تؤجل إعلان الجائزة، وتوقع العالم كله فوز عدد من المرشحين جاء في مؤخرتهم الشاعر الكبير أدونيس، كما يحدث كل عام تقريبا، وشكرا، لم تقدم الثقافة العربية ولا الأدب العربي مرشحا آخر يمكنه أن ينافس، ولم تقدم مصر أي كاتب للجائزة حتى ولو كان "كاتب عرضحالجي" يجلس تحت شمسية أمام محكمة.
الشماعة الجاهزة حاليا هي الاعتبارات الجغرافية والسياسية للجوائز، لكن دون دفن رءوسنا في الرمال لدينا مشكلة كبرى، لا نسعى أبدا نحو حلها بل بالعكس، فالنزيف مستمر، ورعب أكثر من هذا سوف يجيء، فبرحيل كتابنا الكبار، وخفوت أعمال وتأثير جيل الوسط من الكتاب، ولهاث جيل الكتاب الشباب خلف ما يرضي جمهور المراهقين من أجل البيست سيللر، ستصبح مصر عقيمة أن تنافس حتى على الجوائز الصغرى.