-
أستاذ سياسة: إثيوبيا تسعى لتحقيق الهيمنة السياسية فى الإقليم وتغيير التوازن
-
وضع سد النهضة من الناحية الفنية والجيولوجية يهدد إثيوبيا قبل أن يهدد دولتى المصب
قال السفير مجدى عامر مساعد وزير الخارجية الأسبق، إنه من خلال التجربة المباشرة فى التفاوض مع الجانب الإثيوبى لا يمكن الوثوق فيه، ولن نصل إلى نتيجة الا اذا تدخلت دولة أخرى لما يمكن أن يتسبب فيه السد من أزمة إقليمية.
ووضح عامر، فى كلمته خلال مؤتمر "سد النهضة.. بين فرض الأمر الواقع ومتطلبات الأمن القومى" الذى نظمه المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية أنه منذ بداية المفاوضات وضع الجانب الإثيوبى العراقيل، منذ بدء أول زيارة لرئيس الوزراء المصرى الدكتور عصام شرف إلى إثيوبيا عقب الشروع فى بناء السد، وكان الهدف المماطلة، مشيرًا إلى أن الاجتماعات العديدة والمتكررة ما كانت لتعقد لولا الضغط المصرى، وكنا نلمس انفراج مع نهاية كل اجتماع إلا أنه كان وهمى، ومنذ الاتفاق على تشكيل لجنة الخبراء الدولية الاولى سعت إثيوبيا إلى أن تضع كود خاص بها لمسار التفاوض لكن مصر رفضت وأصرت على وجود خبراء دوليين يشاركوا فى المفاوضات.
ولفت عامر، إلى أن اللجنة الفنية الدولية أصدرت تقريرا فى 2013 أكدت فيه أن الدراسات الفنية جميعها غير كافية وبعض الدراسات لم يتم البدء فيها من الأساس"، مشيرًا إلى أن تلك الوثيقة فى غاية الأهمية وتؤكد أن الدراسات غير كافية ولا ترتقى لمثل هذا المشروع الضخم وأوصت بتغيير أبعاد السد ودراسات امان السد لا يعتمد عليها، وأثره على تدفق المياه غير واضح تماما/ موصيًا باستخدام التقرير فى المحافل الدولية.
ولفت مساعد وزير الخارجية الأسبق، إلى أن وصول الإخوان كان عاملا سيئا فى هذا الملف، وكل الإشارات من مؤسسة الرئاسة، ووزير الرى تقول للإثيوبيين استمروا فى بناء السد وليست هناك مشاكل"، مشيرا إلى أن وزير الرى وقتها كان يتصرف كما لو كان وزير الرى الإثيوبى وفى مصر كان هناك لامبالاة بهذا الموضوع، وكانت اللقاءات مع السفراء الاجانب يتم تصوير الأمر بشكل مختلف، حيث يؤكد أن مصر ليس لديها مشكلة فى اتفاقية عنتيبى للمياه، وأنه فى قمة ملابو بأوغندا فى يونيو 2014 بين قادة الدول تم الاتفاق على كل المجالات، ولم يتم التقدم بالرغم من الوعود الإثيوبية، وفى إعلان المبادئ مارس 2015 كانت هناك عشر مبادئ ورغم ذلك لم ينعكس ذلك على الموقف الإثيوبى وكان متشدد كما هو".
واستطرد: "وفى أكتوبر 2017 أتم المكتبين الاستشاريين الدراسة التمهيدية ورغم قبولها مصر رفضتها إثيوبيا والسودان، وفى يناير 2018 حدثت قمة بين رؤساء الدول واتفقوا على البدء فى الدراسات بعد شهر ولم يتم البدء، وكانت هناك اجتماعات متتالية تساعية وثلاثية وعلمية وكله لم يصل إلى شئ".
وأكد السفير مجدى عامر مساعد وزير الخارجية الأسبق، أهمية السير فى طريق المفاوضات الحالية بجانب المسارات الأخرى، وكذلك تشكيل لجنة مختصة لوضع الأسس الحاكمة للتعامل مع الملف فى الأزمة المقبلة، لافتا إلى أن هيئة مياه النيل لم تعد كافية للتعامل مع الملف بهذا الأمر.
قال السفير مجدى عامر مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن وزير الموارد المائية والرى فى فترة حكم الإخوان كان عامل سيىء فى مفاوضات سد النهضة فجميع الإشارات التى كانت تصدر منه فى ذلك الوقت كانت تقول للإثيوبيين استمروا فى بناء السد، وكأنه لم يكن هناك أزمة، مشيرًا إلى أن الجلسة الشهيرة التى عقدت فى الرئاسة المصرية فى عهد الإخوان وتم إذاعتها وتسببت فى أزمة كبيرة.
وأوضح عامر، أن الجانب الإثيوبى منذ بداية أزمة سد النهضة وضع عراقيل، وهدفه التسويف والمماطلة فى الاجتماعات حيث كان يحدث نوع من الانفراج الوهمى فى الأزمة، موضحا أنه تم الاتفاق على الإطار العام للجنة الخبراء الدوليين، حيث كان من المهم جدا وجود 4 خبراء دوليين، ووضعنا إطار منطقى ومعقول وانتهت اللجنة من عملها فى عامين.
وقال عامر، إن 2011 كانت سنة سيئة فى ملف المياه.. مهمة الجانب المصرى فى هذا الملف تأخذ من خلال اللجنة العليا لمياه النيل برئاسة رئيس الوزراء كانت مهمتنا وقف التدهور فى هذا الملف ونجحنا فى وقف التصديق على اتفاقية عنتيبى وقمنا بزيارة عدد مِن دول حوض النيل لتوضيح الموقف المصرى".
ولفت عامر، إلى أن مصر كانت بحاجة إلى وثيقة فى هذا الملف، وهو ما حصلنا عليه فى تقرير لجنة الخبراء الدوليين فى 2013، ووقعت عليه الثلاث دول، موضحا أن التقرير يؤكد أن كافة الدراسات الإثيوبية غير كافية ولا ترتقى لهذا المشروع وأوصت بتغيير تصميم السد وأمان السد لا يعتمد عليه والدراسات البيئية غير موجودة وأثر تدفق المياه على مصر والسودان هذه الوثيقة التى لدينا مهمة كافة الجوانب الفتية فيما عدا أمان السد وهذا التقرير يحب أن تستغله على نطاق دولى واستخدم فى التعامل مع بعض الدول لتوضيح الموقف.
وقال عامر، إنه بعد صدور تقرير لجنة الخبراء الدوليين وحتى قمة مالابو لم يحدث تقدم فى ذلك الملف، حتى تم الاتفاق مع إثيوبيا على تشكيل اللجنة العليا لدراسة التعاون مع إثيوبيا فى كافة المجالات وتوسيع التعاون والمشاركة مع إثيوبيا ولَم يتم التقدم فى هذا الملف حتى مارس 2015 وتوقيع اعلان المبادئ الذى يضم 10 مبادئ تنص على التعاون وقواعد التشغيل وهو ما لم ينعكس على الموقف وظل التشدد الإثيوبى كما هو.
فيما قال الدكتور محمد سليمان طايع، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن إثيوبيا تسعى لوضع نظام سياسى جديد يمكن أن نطلق عليه "هيدرو بوليتيك" من خلال توظيف مياه النيل لتحقيق الهيمنة السياسية فى الإقليم وتغيير التوازن به، مشيرًا إلى أن أديس أبابا نجحت خلال الفترة الماضية فى تقديم نفسها للعالم والقوى الإقليمية والدولية ذات المصالح فى منطقة القرن الأفريقى على أنها الراعى والفاعل الإقليمى لتحقيق مصالحهم علاوة على تفاعلها مع الاستراتيجية الأمريكية فيما يتعلق بالمنطقة، وفيما بقوات الأفريكوم، وهى القوات الأمريكية المسئولة عن الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة فى القارة الأفريقية.
وأكد طايع، أن وضع سد النهضة من الناحية الفنية والجيولوجية يهدد إثيوبيا قبل أن يهدد دولتى المصب، ولكنها تسعى إلى الضغط والابتزاز السياسى لمصر، قائلًا: "رغم أن السدود الإثيوبية المقترحة على النيل الأزرق تضر مصلحتها ولكنها مصرة على تطبيق سياستها من خلال فرض الأمر الواقع ودون إشراك الآخرين وعدم اعترافها بالقوانين والأعراف الدولية المنظمة للأنهار تحت بند السيادة المطلقة".
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن التحرك لمواجهة الأزمة يتطلب سرعة إنشاء مجلس أمن مائى أو وحدة استراتيجية فى إطار مجلس الأمن القومى تعمل على صنع السياسة المائية المصرية داخليا وخارجيا ووضع استراتيجية لتطويق إثيوبيا واحتواء دول الجوار وحوض النيل لإقامة علاقات متميزة معها، مضيفًا أنه بالإضافة إلى التوظيف السياسى للتقرير الفنى للجنة الدولية الصادر فى مايو 2013 الذى يكشف حجم الأخطار وتأثيرات السد الإثيوبى على دولتى المصب بهدف خلق رأى عام إقليمى وعالمى لكشف حالة العناد والمبادرة الصفرية فى المفاوضات مع الجانب الإثيوبي.
كما اقترح طايع وضع خطة إعلامية محلية ودولية متكاملة الأركان بعد فهم طريقة القوى الإقليمية والدولية الفاعلة لخلق تحالفات مصرية لتكون حائط صد أمام التحالفات القائمة والمستمرة من خلال تطبيق مبدأ المقايضة السياسة إقليميا ودوليا، بالإضافة إلى العمل على إعادة السودان إلى مصر مع إظهار قدر من القوة الصلبة "الردع" علاوة على تحرك الهيئات الدولة المعنية بتلك النوعية من القضايا مثل مجلس الأمن والاتحاد الأفريقى ومحكمة العدل الدولية مع تفعيل القوى الناعمة وتضافر الجهود بين فئات المجتمع المدنى المختلفة وتوزيع أدوارها للتعامل مع الأزمة.
ومن جانبه، قال الدكتور خالد عكاشة، مدير المركز المصرى للفكر الدراسات الاستراتيجية، إنه منذ بداية أزمة سد النهضة، اعتمدت مصر منهجا يتمحور فى عدد من العناصر، أهمها الحوار المباشر بين الأطراف فى إطار قواعد القانون الدولى المنظمة لاستخدام الأنهار الدولية، واحترام حقوق الشعوب فى التنمية، وأن النهر كمورد مائى يمكن أن يمثل أساسا للتعاون وليس الصراع، وهو منهج انطلق من إيمان مصر الثابت بالوحدة الجغرافية والإيكولوجية التى شكلها النهر عبر قرون عديدة، و"الحضارة النيلية" التى تشكلت عبر النهر وميَزَتْها عن باقى الحضارات.
وأوضح عكاشة خلال كلمته فى المؤتمر، أنه على الجانب الآخر، لازالت أطراف أخرى تسعى إلى محاولة فرض أمر واقع، وهو منهج يتناقض تماما مع حقائق الجغرافيا والتاريخ، ومع حالة نهر النيل باعتباره نهرا دوليا بامتياز، ومع قواعد القانون الدولى التى تنظم استخدام هذه الأنهار، ومن هنا جاء اختيارنا لعنوان الندوة "أزمة سد النهضة بين فرض الأمر الواقع ومتطلبات الأمن القومى المصرى".
وأرجع مدير المركز المصرى للفكر الدراسات الاستراتيجية، اختيار المركز لهذه القضية المهمة، وفى هذا التوقيت، إلى عوامل ثلاثة، الأول بطبيعة قضية سد النهضة باعتبارها قضية أمن قومى مصرى، وقضية وجود لا يمكن المساومة عليها، دون أن ينفى ذلك تفهم مصر للحقوق والتطلعات المشروعة لدول وشعوب النهر إلى التنمية والازدهار، طالما لم يُرتب ذلك أضرارا لباقى الدول، وطالما حكم جميع الأطراف القواعد القانونية المنظمة.
وتابع عكاشة: "يتعلق العامل الثانى بأن أزمة سد النهضة لم تعد قضية حكومات، بقدر ما أصبحت قضية رأى عام، ليس فقط داخل مصر، ولكن فى إثيوبيا والعالم أيضا، ومن ثم أصبح لزاما على مراكز الفكر منح هذه القضية الأولوية التى تستحقها، والمساهمة فى الجدال الدائر بشأنها.
فيما يتعلق العامل الثالث بطبيعة هذه القضية باعتبارها قضية لن تقف تأثيراتها ومساراتها المستقبلية على الشعبين المصرى والإثيوبى، لكنها ستطال التنمية والاستقرار فى منطقة حوض النيل، ولا نبالغ إذا قلنا أنها ستؤثر على التنمية والاستقرار فى القارة الأفريقية، خاصة إذا أخذنا فى الاعتبار الأبعاد الإيكولوجية.