قال الدكتور يوشار شريف داماد أوغلو، أستاذ مساعد بجامعة آرسطوتاليس قسم العلوم الإسلامية ثسالونيكي اليونان، إذا نظرنا إلى الواقع نرى أن كثيرًا من غير المختصين في العلوم الشرعية يظنون أن الخلاف بين الفقهاء هو خلاف ينتج لأسباب مختلفة، قد يكون تلقائيًا، أو دافع ذاتي مثل: حب الظهور والخلاف، هذا إن وجد من بعض المشتغلين بالفقه؛ فإنه ليس سببًا رئيسيًا فيما يقع من الخلاف، وذلك ثبت بأن من كان حاله مثل هذه فإنه سرعان ما ينكشف قول صاحبه ويطرح قوله ونفسه؛ لأنه سلك سنن أهل البدع الذين أطلق عليهم السلف الصالح مصطلح "أهل الأهواء".
واضاف خلال بحثه بعنوان "الخلاف الفقهي بين الانضباط والتفلت"، والمقدم بمؤتمر الأمانة العام لدور وهيئات الإفتاء بالعالم ، المنعقد اليوم الثلاثاء ، تحت عنوان "الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي" ، أما أهل العلم الراسخون فإنهم كانوا على قدر من الدين والورع يمتنع معه أن تكون مقاصدهم غير حسنة فيما يقع بينهم من خلاف، ونستدل على هذا القول بالواقع العملي؛ فقد ثبت رجوعهم عن بعض أقوالهم إلى أقوال المختلفين معهم، فكذلك نرى أن كثيرًا من الأئمة يقرون بقوة دليل المخالف، فإن موضوع الخلاف الفقهي من المواضيع التي لا يستغني عنها عالم في أحكام الشريعة الإسلامية فضلًا عن طلبة العلم الشرعي، ولا شك أن في عصرنا الحاضر اشتدت الحاجة إلى معرفة الخلاف الفقهي بتفاصيلها، من معرفة حقيقته والمراحل التي مر بها وآدابه وكيفية التعامل معه في الساحة العلمية والدعوية كالمساجد والأوساط العلمية الأخرى ولا توجد شريعة كشريعة الإسلام وضعت منهجًا شاملًا ومعتدلًا في عرضه ونشره بين الناس حتى جعلت للمجتهد أجرين إن أصاب، وأجرًا واحِدًا إن أخطأ، مادام بذل وسعه وقصارى جهده في استدعاء الحكم الشرعي بالضوابط الشرعية.
وأوضح أن الخلاف الفقهي نشأ منذ العصر الأول حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في المسائل والقضايا التي تحدث للمسلمين في حالة انعدام نص تشريعي وكان الوحي يسدده أو يقره على ذلك وقد فتح الباب أمام الأصحاب رضوان الله عليهم في الاجتهاد في مواقف كثيرة اعترضتهم في سفر أو في غيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، وفي حال عودتهم كان يصوب من كان مخطئًا ويقر من كان مصيبًا، وبعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى، اشتدت حاجة المسلمين إلى الاجتهاد أكثر؛ وذلك لكثرة الحوادث والمستجدات وانقطاع الوحي بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وتوسع رقعة الإسلام، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى " فالصحابة مثلوا الوقائع بنظائرها وشبهوها بأمثالها وردوا بعضها على بعض في أحكامها وفتحوا للعلماء باب الاجتهاد ونهجوا له طريقه وبينوا له سبيله".
وأكد أن الخلاف نوعان محمود ومذموم فالمحمود ما كان في فروع الدين وهو مستساغ ومشروع ولا يدعو إلى القطيعة والهجر بين المسلمين، بل هو رحمة وسعة على الأمة وهو الذي عبر عنه باختلاف التنوع، أما الاختلاف المذموم فهو الاختلاف في الأصول وبما كان قطعيا وواضح الدلالة والمخالف فيه خالف عن هوى ومكابرة وقد عبر عن هذا النوع باختلاف التضاد.
واستطر ؛ الاختلاف الفقهي ضرورة من ضرورات الشريعة وهو رحمة واسعة على الأمة ما لم يؤد إلى التنازع والشجار والبغضاء وقد اختلف الصحابة رضي الله عنهم من قبلنا،كما ان الخلاف والاختلاف كلمتان استعملهما الفقهاء في مصنفاتهم بمعنى واحد ولا مشاحة في الاصطلاح.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة