قال الدكتور محمد البشارى، أمين عام المجلس العالمى للمجتمعات المسلمة، إن الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي، تعد من أبرز القضايا الهامة على الساحة العالمية، إذ أننا نعيش فى بوتقة الضرورة الزمانية والمكانية، وأقصد بالمكانية، أهمية ترسيخ إدارة الخلافات الفقهية بمنهجية حضارية فى كل بقاع الأرض، التى إن لم تكن دولة مسلمة، تكون ذات مكون ضامٍ للمجتمعات المسلمة.
وأكد خلال بحثه بعنوان "مراعاة المقاصد والقواعد فى إدارة الخلاف الفقهي: الإطار المنهجى"، والمقدم بمؤتمر الأمانة العام لدور وهيئات الإفتاء بالعالم، المنعقد اليوم الثلاثاء، تحت عنوان "الإدارة الحضارية للخلاف الفقهي"، على ضرورة إعادة بناء ثقافة تدبير الاختلاف من جديد فى إطار الرؤية المقاصدية الكلية تحقق مقصود الشرع ومصالح الناس، مع ضرورة إعادة بناء الثقافة الإسلامية بناء مقاصديا حتى تتمكن من تطوير آليات الاجتهاد لاعادة قراءة النص الشرعى على ضوء المستجدات الاجتماعية والسياسية و مصالح العباد و الأوطان، مع ضرورة الالتفات إلى الضوابط الشرعية التى تحصن الناس من التحلل والانفلات، كما تصونهم من التحجر والجمود.
وتابع : بالإضافة إلى التأصيل الفلسفى لتدبير الاختلافات المذهبية والعقدية خارج دائرة العنف وثقل الاحداث التاريخية، و إعادة بناء المؤسسات الفقهية على أرضية تصورية مقاصدية قادرة على إدارة الخلاف الفقهى وتحقيق الأمن الروحى للمجتمعات والاستقرار السياسى للدول، و العمل على تطوير آلية التنسيق والتواصل بين المؤسسات الافتائية والعلماء والباحثين من مختلف المذاهب، من خلال فضاء تشاركى وتفاعلى يخدم وحدة المسلمين وتطوير البحث العلمى، و جمع قواعد فقهية وأصولية فى موسوعات لإدارة الخلاف الفقهى، و ضرورة الالتزام بالمذهب الواحد المعتمد داخل كل بلد.
كذلك التزام المفتين بكل ما يدور فى منظومة المذهب ونسقه العام، فلا يلزم إلا بأصول المذهب، ومنهج الاستدلال، واعتماد القواعد الفقهية، وجعل الاجتهاد داخل المذهب ضمن استحضار فلسفة التنوع المؤصلة على أصول الفقه الاجتهادى، مع وجوب الالتزام بالأقوال الفقهية سواء تلك المتفق عليها والتى عليها إجماع أو القول الراجح والقول المشهور وما جرى العمل به، كذلك إعداد أطر متخصصة فى الدراسات المقارنة فى مختلف المجالات الفقهية والمذهبية حتى يمكن للعقلية الفقهية الاستفادة من هذا التنوع المذهبى بما يخدم حركية تطور القضايا المجتمعية بنوازلها، التى تتطلب أجوبة فقهية، تكون فى مستوى هذه التحديات.
واستطرد؛ الاشتغال على علم المناظرة الدينية باعتبارها من أهم العلوم المتخصصة فى الممارسة النظرية للآليات المنهجية القائمة على المناهج التأصيلية والقواعد التقعيدية والاستفادة منها فى مراعاة الخلاف الفقهى، وضرورة التفكير فى ربط تدريس العلوم الشرعية فى علاقة تكاملية مع العلوم الاجتماعية والانسانية لإمكانية استقراء التحولات القيمية والاجتماعية لبناء منظومة قيم تحافظ على المشترك الإنسانى، وضرورة التقنين الفقهى والدستوري، وفق أسس وضوابط توازن بين الحاجة إلى التقنين واستقرار المعاملات من جهة، وبين الحاجة إلى الاجتهاد والتجديد من جهة أخرى، و باستحضار مؤسسة العلماء باعتبارها أصلا تشريعيا يحضن المرجعية العقدية والهوية الثقافية للأمة ويحافظ على فلسفة تدبير الاختلاف على كافة المستويات بشكل متحضر.