أرض مصر تبوح كل يوم بعظيم مكنونها، كل يوم تبوح بما هو مخبوء فى ترابها الطاهر من أسرار وجواهر، تراكمت عبر آلاف السنين.
كل يوم، تبوح مصر بخبيئة جديدة، وآخر ما جادت به "خبيئة العساسيف"، ثلاثون تابوتاً خشبياً مزينة بنقوش وألوان رائعة تحدت الزمان وعوامل التعرية ووصلت إلينا برسالة عابرة للأزمنة تتجاوز ثلاثة آلاف عام، من مينا موحد القطرين، إلى السيسى حافظ الخيمة المصرية وبانى نهضتها الحديثة، تقول إن مصر بخير بوعى أبنائها، وقوة وبأس جندها.
خبيئة "العساسيف" لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، قد تكون الأولى التى تكتشف بالكامل على أيدى مصريين، قبل ذلك كانت أرض وادى الملوك والدير البحرى لا تبوح بأسرارها إلا للخواجات، وعلى رأسهم ماسبيرو، الذين استعانوا بأفراد عائلة عبد الرسول لكى يصلوا إلى اكتشاف ما خبأه الأجداد عبر آلاف السنين، فى كل صحارى مصر، وفى كل نجع وقرية وعزبة هناك خبيئة، جعلت من هذه الأرض موطنا لأقدم حضارة عرفتها البشرية، ومهداً للرسالات السماوية، وكم من نبى ورسول عاش على أرضها الطاهرة وتربى واهتدى إلى الله الواحد الأحد بين جبالها، ووديانها، وتنسم هواءها، وتحصن بشمسها الذهبية، وعرف أن الله يأتى بها من المشرق، فما كان لبشر خلقه الله أن يأتى بها من المغرب، خبيئة مصر الحقيقية فى "ناسها".. فى شعبها، فى المصرى وفى نيلها الذى توحد مع بنيان المصرى، وأصبح ماء النيل مصدرا للطهر والتطهر ودما يجرى فى عروقه، وبتربتها الزعفران الذى ليس كمثلها شىء نتوضأ، ونصلى لله الواحد الأحد الفرد الصمد، مصر كلها خبايا، ليس فى الأقصر فقط، ولا فى الدير البحرى، أو وادى الملوك والملكات.
مصر من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب كلها خبايا تحكى عظمة وعبقرية المكان والبشر عبر حقب التاريخ، حتى فى البحر هناك خبايا، نعم حتى فى البحر، شاطئ الإسكندرية الذى تراه وتستمع به وتراقب لحظات غروب وشروق الشمس على صفحته يحتوى فى أعماقه آثارا من عصر كليوباترا وأنطونيو، ويحفظ آثار الإسكندر الأكبر الذى أنشأ وأسس الإسكندرية لتخلد اسمه إلى أن تقوم الساعة، عاشق ومعشوقه، كلاهما منح الخلود للآخر، وكم لمصر من عشاق ذابوا فى هواها عبر التاريخ، مصر بوتقة ذاب فيها كل العشاق، على اختلاف الألوان والعقائد والأعراق، كلهم عندما يحطون رحالهم فى مصر، يتدينون بدينها، ويتحدثون لغتها، وتصبح مصر عندهم القبلة، ومهفى الروح والفؤاد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة