ينقسم المثقفون والمهتمون بالكتب والقراءة في مصر حاليا إلى فرق متعددة، حول موضوع الكتب المزورة، وحقوق الكاتب والناشر، وسط هواجس حول مستقبل صناعة الكتاب الورقي وصناعة النشر بصفة عامة.
وملخص الخناقة لمن لم يتابع، تدور حول ارتفاع سعر الكتب مما أدى إلى ظهور سوق سوداء لمزوري الكتب ولمواقع رفع الكتب بصيغة بي دي إف، بنسبة أصبحت أعلى بكثير من النسخ الشرعية من بعض الكتب، فما هو موقف القارئ هنا إذا كان من زبائن المزور والبي دي إف، وهل تقع عليه مسئولية قانونية أو أدبية أو دينية؟
وأحب هنا التوقف عند عدد من النقط المهمة:
مهما ادعت الحكومة محاربتها للكتب المزورة فإن جولة سريعة في الميادين الكبرى وأسوار الأزبكية وأبو الريش تجعلك تدرك حجم الكارثة، فالكتب الشرعية محصورة فقط في المكتبات، التي أصبحت تغلق أبوابها بسبب الإفلاس، ولا يوجد أي نوع من السيطرة على السوق العشوائي للكتب غير الشرعية. في ظل غياب قانون رادع يمنع المزورين من تزوير الكتب الورقية وتصوير ورفع الكتب البي دي إف على المواقع المختلفة يصبح الفيصل في الأمر هو ضمير القارئ فقط، وضمير القارئ مطاط، وحجج اللجوء للكتب غير الشرعية متعددة، وسهلة، وأبرز المسكنات هي أن الناشرين حرامية ومستغلين وأموالهم حلال لنا.حجة ارتفاع سعر الكتب وأنا لا أملك سعر الأكل والشرب ليست مبررا لسرقة الكاتب والناشر لصالح حرامية التزوير، فالسرقة والمشاركة فيها لا مبرر لها، خصوصا أن النسبة الأكبر من سوق التزوير هي الروايات وكتب التنمية الذاتية التي لم نسمع أن هناك قارئا مات بسبب عدم قرائتها.احتمالية أن تكون نسخ الويندوز في دور النشر أو على أجهزة الكُّتاب مسروقة، أو أن الكاتب الفلاني أو العلاني يشاهد أفلاما مسروقة من على مواقع الإنترنت، أو أنه يسرق الأفلام الأجنبية ويمصرها ويضع اسمه عليها، كلها حجج لا تبرر لك استخدام الكتب غير الشرعية والدفاع عن هذا النوع من السرقة باستماتة، فلا ينبغي أن نكون "يا عزيزي كلنا لصوص".في التسعينات وبداية الألفينات حقق النشر الحكومي طفرة هائلة من خلال مكتبة الأسرة وكتب هيئة قصور الثقافة والمجلس القومي للترجمة والمجل الأعلى للثقافة، ونشأ جيل كامل من القراء والمثقفين والكتاب على هذه الإصداراتثرية المضمون زهيدة الثمن، لكن فجأة انتقلت إصدارات كل هذه الجهات إلى رحمة الله إكلينيكيا، والمطلوب حاليا إعادة إحيائها، أضعف الإيمان لأن الإرهاب لاتتم محاربته على الحدود فقط وإنما في الداخل أيضا بمحوه من العقول.المكتبات العامة والمكتبات المتنقلة ومكتبات قصور الثقافة موجودة وقائمة ومليئة بالكتب، لكن لا يدخلها أحد، إذا شعرت برغبة عارمة للقراءة يمكن الاشتراك فيها بمبالغ زهيدة بدلا من الدفاع عن السرقة، ويجب على الحكومة توفير أحدث الإصدارات بها، وجذب الأطفال والشباب من أيديهم إلى هذه المكتبات التي أصبح موظفيها ينظرون لمن يدخلها بريبة بمنطق: جاي يعمل إيه ده؟!الأدب في مصر يتراجع إلى مستوى الانهيار بعدما كان الأدب المصري من الآداب العظيمة عالميا، وأزمات النشر والصناعة تساهم أكثر وأكثر في القضاء عليه، قاطع الكتب المزورة والمرفوعة إلكترونيا بدون حقوق، وخليك "دغري" مهما كان الشمال "مغري".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة