المهنية ليست خاتماً يحصل عليه الموقع الإخبارى أو المنصة الإعلامية مدى الحياة، لكنها شهادة ترتبط بمدى الالتزام بمعايير صارمة فى المنشر والتفرقة بين الخبر والرأى، نقول هذا بمناسبة ما تفعله بعض منصات هيئة الإذاعة البريطانية فى تعاملها مع الشأن المصرى، وتكرار الوقوع فى فخاخ المبالغة والمزايدة، وتحويل فتاة هاربة من أهلها إلى مختفية قسريا، واتضح أنها تركت أسرتها لتتزوج، واليوم تعود بى بى سى للمشاركة فى إعادة تعويم المقاول الهارب محمد على، وتسعى لسبق صحفى وإعلامى واستقصائى «مستطيل التربيع».
المقاول دخل دائرة النسيان، وفقدت فيديوهاته تأثيرها وغادرت التريند، ومع هذا فقد تركت بى بى سى كل القضايا الدولية والعالمية، وسعت لاستقصاء آراء «المفكر المقاول العميق والاستراتيجى والزعيم السياسى اللوذعى»، سعيا إلى تلميعه وتعويمه بعد الغرق فى التكرار والتناقض والكذب.
واضح أن الجهات التى سعت خلال أكثر من شهر ونصف إلى تلميع المقاول واستغلاله بأقصى صورة لصناعة هيصة إعلامية من فيديوهات المقاول، وتوظيف ثوريين متقاعدين ليتخذوه زعيما سياسيا يقود جحافل الثوار، هذه الجهات التى أنفقت الكثير من أجل نشر التريند وبناء الصورة، شعرت بانتهاء سريع لتأثير «البانجو السياسى»، وبعد عشرات الحلقات ومئات البوستات وآلاف التحليلات واللجان لتلميع المقاول والنفخ فيه، انتهى التأثير بسرعة وغادر التريند «إلى حيث ألقت».
وهنا عادت الجيوش الإعلامية لتسعى لتعويم الرجل، فتم عمل حملة علاقات عامة وإطلاق جيوش المذيعيين لإجراء حوارات تحاول فهم «العقلية الثورية المعملية الفذة» للأستاذ محمد على، من خلال منصات معروفة بولائها الإعلامى لقطر، ومنها موقع قطرى قلبا وتمويلا هو «ميدل إيست أون لاين»، تم إطلاقه لغسيل الأخبار المفبركة وإعادة بثها، ويصدر باللغة الإنجليزية، إمعانا فى التمويه، على طريقة «الجرنال المخروم» ويديره صحفى من نوعية «تليفونات العملة»، وتأكيدا لخطورة المقاول الفنان المفكر المنجم محمد تم إجراء حوارات معه فى الجارديان ونيويورك تايمز وهو حوار واحد يتكرر فى كل مطبوعة وموقع.
وجاء الدور على بى بى سى، المنصة التى «تتحدث كثيرا عن المهنية»، وقد قررت بى بى سى «اصطياد الوولف من ديله»، من خلال حوار اعتبرته مقدمة الحوار «استقصائيا مهنيا تعدديا متوازيا دائريا»، وصفت المذيعة رشا المقاول بأنه «شديد الوعى» عميق الرؤية، وبسبب العمق والوعى اضطرت المذيعة لشرح أسباب حوارها واستقصائها من خلال كتابة «عشرات التويتات»، لتأكيد وجهة نظرها وتبرير إجراء حديث مع «مصدر ميت سوشياليا وإعلاميا»، ولم تنجح بى بى سى فى تبرير تزامنها الاستقصائى مع منصات قطرية الرائحة على طريقة «الفيل فى المنديل».
دعك من أن الملقن فشل فى منح المقاول الفنان أى جديد، واضطراره لاختراع كذبات لا تخيل على طفل، مثل إعلانه عن أنابيب سرية تحت القناة، أو تناقضاته، وهو تنسى فى منتصف الحديث ما قاله فى البداية، وتأمل محاولات الأستاذة رشا الظهور فى هيئة الجدية الإعلامية العميقة والاستقصائية الدائرية، وهى تطرح أسئلة يفترض أن الزمن تخطاها، وتجلس أمام المقاول بصفته مفكرا سياسيا، يقول لها إنه يتلقى اتصالات من زعماء المعارضة من اليسار واليمين والبوذيين والكفار والمؤمنين، باعتباره «موحد المعارضين» وقائد عمليات «الزائدة السياسية».
الخلاصة إن بى بى سى أصبحت تنافس الجزيرة ومنصات قطر وتركيا فى فن صناعة «الولا حاجة»، على أنغام أغنية المهنية المختفية قسريا.