أعد مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة، دراسة حول مستقبل التنظيمات الإرهابية بعد مقتل زعيم تنظيم داعش ابو بكر البغدادى، حيث كشفت دلالات توقيت مقتل زعيم التنظيم الإرهابى فى مدينة إدلب السورية.
وذكرت الدراسة، أن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أعلن أمس الأحد خلال مؤتمر صحفي، عن نجاح القوات الأمريكية في قتل زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي "أبو بكر البغدادي"، بعد تفجير سترته الناسفة، وعدد من أتباعه، مع إلقاء القبض على آخرين، في حين لم يسقط أي قتلى في صفوف القوات الأمريكية. وتحدث الرئيس "ترامب" عن أن العالم سيصبح أكثر أمنًا بعد مقتل "البغدادي".
وأضافت الدراسة، أنه مع مقتل "البغدادي" انشغل الباحثون بالإجابة على تساؤل حول مستقبل التنظيم، وقد انقسموا إلى تيارين رئيسيين. يرى التيار الأول أن مقتل زعيم التنظيم الإرهابي لن يؤثر على التنظيم، ولن يؤدي إلى اختفائه، ويضربون مثالًا على ذلك بعدم اندثار تنظيم "القاعدة" بعد مقتل زعيمه السابق "أسامة بن لادن" في عام 2011 ، حيث لا يزال لدى "داعش" الكثير من الفروع التي لا تزال نشطة ولديها قدرة على تنفيذ هجمات إرهابية.
وأوضحت الدراسة، أنه في ظل توقع بعض الدول الغربية أن يثأر أتباع التنظيم لمقتل زعيمه، فقد بدأت في اتخاذ الإجراءات الأمنية الاحترازية، ولا سيما مع تحذير وزير الداخلية الفرنسي "كريستوف كاستانير" من هجمات انتقامية محتملة عقب مقتل "البغدادي".
وأشارت الدراسة، إلى أنه في حين يرى التيار الثاني أن مقتل "البغدادي" سيكون له تأثير على التنظيم لا يمكن إنكاره، ولا سيما في وقت يعاني من مرحلة من الاندثار بعد فقدانه الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا، وأنه في ظل الأزمات الداخلية والهيكلية التي تواجه التنظيم، فقد يتفتت، مع توقعات بأن قيادات التنظيم التي جاءت من تنظيم "القاعدة"، ستعود مجددًا له، وهو الأمر الذي دفع البعض إلى توقع استعادة "القاعدة" نفوذها وقوتها، واستعادتها قيادة التنظيمات الإرهابية، مع خفوت تنظيم "داعش".
وتابعت الدراسة : سيستغل الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" مقتل زعيم تنظيم "داعش" في تحسين صورته داخل الولايات المتحدة، ولا سيما مع انتقادات الديمقراطيين والجمهوريين له -على حد سواء- بسبب قراره بسحب القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا، الأمر الذي أعطى الضوء الأخضر لمهاجمة حلفاء واشنطن "الأكراد"، فضلًا عن قلقهم من أن يؤدي الانسحاب إلى استعادة التنظيم قوته بما يشكل تهديدًا للمصالح الأمريكية.
ومن شأن مقتل "البغدادي" تهدئة تلك المخاوف، وتعزيز موقف الرئيس الأمريكي الذي يواجه تحقيقًا بمجلس النواب من أجل عزله."
وأشارت الدراسة إلى أنه رغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 22 مارس 2019، الانتصار على تنظيم "داعش"، إلا أن مقتل زعيمه أبو بكر البغدادي، في 27 أكتوبر الجاري، والذي أعلنه أيضاً الرئيس ترامب، يشكل نقطة تحول بارزة في مسار المواجهة مع التنظيم، باعتبار أنها ستفرض تداعيات مباشرة سواء على تماسك التنظيم من الداخل، أو على نمط تفاعلاته مع المعطيات الجديدة التي ستنتج في مرحلة ما بعد البغدادي.
وأكدت الدراسة إلى أن اللافت في هذا السياق أيضاً هو أن المكان الذي أُعلن أن البغدادي قتل فيه، وهو محافظة إدلب السورية بدا بدوره مثيراً لتساؤلات لا تقل أهمية، باعتبار أن النفوذ الأكبر في إدلب، حسب كثير من التقديرات، لا يعود إلى "داعش" وإنما إلى "جبهة النصرة" (تنظيم القاعدة) التي يمثل التنافس والتوتر سمة رئيسية في العلاقة بينهما، على نحو يوحي بأن وصول البغدادي إلى تلك المنطقة قد لا يكون منذ فترة طويلة، وربما اعتبرها التنظيم محطة انتقالية للوصول إلى مقر آخر يمكن السيطرة عليه وتعزيز إجراءات تأمينه بشكل أكبر، بعد أن فقد القسم الأكبر من المناطق التي سيطر عليها في الأعوام الخمسة الأخيرة.
وأوضحت الدراسة، أن الإعلان عن مقتل زعيم تنظيم "داعش" في هذا التوقيت يطرج دلالات عديدة، ترتبط بالانتقادات الداخلية التي تعرض لها الرئيس دونالد ترامب بسبب قراره سحب جزء من القوات الأمريكية الموجودة في سوريا، والتحذيرات التي أطلقتها اتجاهات عديدة من احتمال أن يدفع ذلك تنظيم "داعش" إلى محاولة ملء الفراغ الذي يمكن أن ينتج عن ذلك، بالتوازي مع تصاعد المخاوف من هروب عدد من قادة وكوادر التنظيم من مراكز الاحتجاز التي كانت تسيطر عليها ميليشيا قوات "سوريا الديمقراطية" الكردية (قسد)، على ضوء شن تركيا عمليتها العسكرية لتأسيس منطقة آمنة في شمال سوريا وإبعاد الميليشيا الكردية عن الحدود.
ولفتت الدراسة إلى أن دلالات توقيت مقتل البغدادي تتمثل فى احتواء احتمالات عودة التنظيم حيث كان لافتاً أن عدداً ليس قليلاً من المراقبين لم يستبعد أن يحاول تنظيم "داعش" العودة من جديد إلى الساحة، بعد مرحلة التراجع التي مر بها، مستغلاً في هذا السياق بعض التطورات الإقليمية التي طرأت في الفترة الأخيرة. وقد استندوا في هذا السياق إلى التسجيل الصوتي للبغدادي، الذي بثه التنظيم في 16 سبتمبر الفائت، وزعم فيه الأخير أن التنظيم لا يزال موجوداً رغم الضربات التي تعرض لها في مناطق مختلفة، داعياً أتباعه إلى "القيام بأفعال"، في إشارة منه إلى عناصر التنظيم لتنفيذ عمليات إرهابية جديدة، لاسيما في الدول الغربية.
وأكدت الدراسة، أن هذا التسجيل اعتبر بمثابة ضوء أخضر من جانب زعيم "داعش" للأفرع المختلفة التي أعلنت ولائها له بالتحرك في المناطق التي تتواجد بها، سواء لتوسيع نطاق نفوذها أو لتنفيذ عمليات نوعية يحاول من خلالها التنظيم تأكيد أن الهزائم التي منى بها في الفترة الماضية لم تؤدي إلى انهياره أو تراجعه بشكل كبير.
وتابعت الدراسة: من هنا، تأتي أهمية الخطوة الأخيرة، التي تمثل رسالة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية بأنها معنية بمتابعة تطورات الحرب ضد التنظيم وأن إعلان الانتصار عليه لا يعني انتهاء المواجهة معه. ويتماهى ذلك، من دون شك، مع التصريحات التي أدلى بها قائد القوات المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط الجنرال فرانك ماكينزي، في 13 يونيو 2019، التي قال فيها أن "داعش في أفغانستان ما زال يشكل تهديداً للمصالح الأمريكية"، مشيراً إلى أن "الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة الإرهاب لم تحد بعد من طموحات داعش المتطرفة".
وأشارت الدراسة إلى أن الدلالة الثانية تتمثل فى مواجهة الانتقادات الداخلية، حيث لا تستبعد اتجاهات عديدة أن تعزز خطوة مقتل البغدادي من موقع الرئيس ترامب في مواجهة الانتقادات والضغوط الداخلية التي يتعرض لها، خاصة لجهة مقارنتها بخطوات نوعية اتخذها رؤساء أمريكيون سابقون فيما يتعلق بالمواجهة مع التنظيمات الإرهابية، مثل الرئيس السابق باراك أوباما الذي أعلن مقتل زعيم تنظيم "القاعدة" أسامة بن لادن، في 2 مايو 2011، وحظى عبر ذلك بتأييد واسع في الداخل، والرئيس الأسبق جورج دبليو بوش الذي أعلن مقتل زعيم تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" أبو مصعب الزرقاوي، في 8 يونيو 2006، حيث اعتبر ذلك "تطوراً كبيراً ونوعياً من الناحية العملانية والرمزية".
وأوضحت الدراسة، أن أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت واشنطن بالفعل إلى التدخل من أجل وقف العملية العملية العسكرية التركية فى شمال سوريا، التي أثارت انتقادات قوية من جانب الدول الغربية، باعتبار أنها يمكن أن تدعم مساعي "داعش" للعودة من جديد إلى الساحة وتهديد أمنها ومصالحها عبر دفع بعض العناصر التي هربت بالفعل من مراكز الاحتجاز الكردية إلى محاولة التسلل إلى الدول الأوروبية لتنفيذ عمليات إرهابية جديدة.
وأكدت الدراسة أن مقتل البغدادي سوف يفرض معطيات جديدة سواء فيما يتعلق بالمسارات التي سوف تتجه إليها الحرب على التنظيمات الإرهابية، ولاسيما تنظيم "داعش"، أو فيما يتصل بمدى تماسك التنظيم من الداخل، باعتبار أن غياب البغدادي يمكن أن يؤدي إلى انقسامه لمجموعات فرعية أصغر، أو ما يرتبط بنمط تفاعلاته مع التنظيمات الإرهابية الأخرى، وفي مقدمتها تنظيم "القاعدة" الذي سوف يسعى، في الغالب، إلى استغلال تلك الخطوة في تعزيز نشاطه وتصدر خريطة تلك التنظيمات خلال المرحلة القادمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة