"استقالة الحريرى" يبدو عنوانا لحلقة جديدة فى المشهد المتأزم داخل منطقة الشرق الأوسط، فى مرحلة تبدو حساسة للغاية، مع تواتر التطورات الدولية والإقليمية فى المرحلة الراهنة، خاصة فى المحيط الجغرافى لبيروت، وهو ما قد يفتح الباب أمام حقبة جديدة من الفوضى ربما تشهدها البلاد، مع توافر العديد من المعطيات التى قد تؤدى إلى تلك النتيجة، وعلى رأسها الأطماع الحزبية فى السيطرة على السلطة، بالإضافة إلى لجوء بعض الحركات اللبنانية إلى استخدام السلاح لتحقيق مصالحها، على حساب الأمن اللبنانى، وعلى رأسها حزب الله، والذى استبق قرار رئيس الحكومة اللبنانى بالهجوم على المتظاهرين، وإحراق خيامهم، فى خطوة تعد بمثابة إشارة البدء فى أعمال عنف مرتقبة فى البلاد خلال المرحلة المقبلة.
ولعل القارئ للمشهد اللبنانى يدرك جيدا أن التطورات الأخيرة ربما تفتح الباب أمام عودة الصراعات الأهلية، فى ظل وجود العديد من الميليشيات المسلحة التابعة للأحزاب السياسية، وهو السبب نفسه الذى سبق وأن أدى إلى اندلاع الصراعات المسلحة فى الداخل اللبنانى، فى العقود الماضية، وأبرزها الحرب الأهلية التى ضربت بلاد "الأرز" والتى استمرت حوالى 15 عام، فى الفترة بين عامى 1975، و1990، حيث انتهت عبر اتفاق الطائف، والذى أعلن حل الميليشيات المسلحة، وقرر إعادة بناء القوات المسلحة، حيث التزمت كافة الأحزاب بهذا القرار، على الأقل على المستوى الرسمى، ماعدا حزب الله، والذى تمسك ببقاء ميليشياته، رافضا كافة المحاولات الدولية لنزع السلاح.
المشهد اللبنانى فى الداخل يتزامن مع العديد من التطورات الإقليمية الخطيرة، وعلى رأسها ما تشهده سوريا، وأخرها مقتل زعيم داعش أبو بكر البغدادى، بالإضافة إلى الهزائم المتتالية التى يتلقاها التنظيم المتطرف، بداية من تحرير المدن العراقية منه فى 2017، بالإضافة إلى انكساره فى المدن السورية التى تهيمن عليها القوات الروسية، وكذلك دحره فى منطقة الشمال السورى، على يد الميليشيات الكردية المدعومة من قبل الولايات المتحدة.
إلا أن حالة الفوضى التى تشهدها لبنان فى المرحلة الراهنة، والتى تبدو فى طريقها إلى مزيد من التفاقم، مع استمرار التظاهرات، ولجوء الميليشيات الشيعية التابعة لحزب الله، إلى فرض قوتها بالعنف، ربما تفتح الباب أمام تسلل العناصر المتطرفة فى المستقبل القريب، على اعتبار أن مثل هذه المناطق الرخوة تمثل فرصة مهمة للتنظيمات المتطرفة، لتحقيق السيطرة على مزيد من الأراضى، وهو الأمر الذى بدا واضحا مع بداية ظهور داعش، والذى تمكن من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضى فى سوريا والعراق بين عامى 2013، و2014، فى أعقاب ما يسمى بـ"الربيع العربى"، بعد معاناتهما من الفوضى.
وتعد التطورات التى تشهدها لبنان فى الوقت الراهن بمثابة ما يمكننا تسميته بـ"طوق النجاة" لداعش ، فى ظل الضربات المتتالية التى يتلقاها التنظيم، بالإضافة إلى التطورات السياسية والعسكرية على الأرض، حيث أصبح بقايا التنظيم فى سوريا محاصرين من قبل القوات الروسية، بينما تهددهم العمليات النوعية الأمريكية، والتى ربما تستهدف قيادتهم فى المرحلة المقبلة، للقضاء على أى شخصيات قيادية يمكنها خلافة البغدادى فى المرحلة المقبلة، بينما أصبحوا مجردين تماما من حلفائهم الذين طالما اعتمدوا عليهم فى السنوات الماضية، وعلى رأسهم تركيا، بعدما نجحت كلا من روسيا والولايات المتحدة بإبعادها قسرا عن المشهد السورى، سواء عبر إجبار الرئيس التركى رجب طيب أردوغان على وقف إطلاق النار فى شمال سوريا، أو تقويض الدور التركى تماما فى منطقة الشمال السورى مؤخرا عبر الاتفاق الذى أبرمه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، مع نظيره التركى، فى سوتشى قبل أكثر من أسبوع.
وهنا يصبح شبح الحرب محدقا بلبنان فى المرحلة المقبلة، على جبهتين، الأولى على الجانب الأهلى، فى ظل اشتعال الصراعات بين الأحزاب، ليس فقط على المستوى السياسى، ولكن أيضا على المستوى العسكرى، فى ظل اعتمادها، وعلى رأسها حزب الله على الميليشيات العسكرية، من أجل فرض كلمتها على الأرض، على حساب المفاوضات السياسية، وهو ما بدا فى مواقف عدة أبرزها جر البلاد إلى طريق الحرب مع إسرائيل فى 2006، والنزول للشوارع واستعراض قوتها فى مواجهة الجيش اللبنانى نفسه فى مايو 2008، وهو ما يمثل استفزازا صريحا ليس فقط للدولة اللبنانية، ولكن أيضا للنظام الدولى برمته، بينما تصبح احتمالات دخول بقايا داعش إلى الأراضى اللبنانية جبهة أخرى، من شأنها زيادة الضغوط على الجيش والشرطة فى بيروت، بالإضافة إلى احتمالات تطور الصراع على أساس طائفى بين داعش، والذى دائما ما يتشدق بمرجعيته السنية، وحزب الله الشيعى، على غرار ما حدث من قبل فى العراق وسوريا، حيث سعى التنظيم المتطرف إلى استغلال البيئة الطائفية للسيطرة على مساحات واسعة من الأراضى فى الدولتين، بين عامى 2013، و2014.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة