أكرم القصاص

وجدت نفسى داخل دبابة إسرائيلية.. حكاية من أساطير جيشنا فى قلوب المصريين

الأحد، 06 أكتوبر 2019 07:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قفز الأستاذ محمود إلى داخل الدبابة ونادانا أن ندخل لنتفرج على الدبابة التى اغتنمها أبطالنا من الإسرائيليين، ووجدت نفسى داخل كابينة الدبابة، وأشعر بأنفاس جنود إسرائيليين قبل أن يغادروها هربا من هجمات أبطالنا الذين استشهد بعضهم وعاش بعضهم لسنوات. 
 
 بعد العبور فى شتاء عام 1974 بعد شهور قليلة من نصر أكتوبر، فى معرض الغنائم بأرض المعارض فى الجزيرة، حيث دار الأوبرا المصرية الآن، قبل أن ينتقل المعرض لمدينة نصر، كان معرض الغنائم هو الهدف، لكن الرحلة شملت زيارات سريعة لحديقة الحيوان والأهرام وأبوالهول، تحت مطر خفيف تجولنا فى رحلة مشتركة لتلاميذ الابتدائى والإعدادى من بسيون بوسط الدلتا، كانت الرحلات المدرسية جزءا مهما من تعليمنا. 
 
 وهى الرحلة الأشمل التى شاركت فيها بداية الوعى بالدنيا، كان لدينا معلمون ينظمون الرحلة، الأستاذ أحمد الغرة، أعطاه الله الصحة، ومحمود الغرة شقيقه، يرحمه الله، كانوا يتابعون ركوبنا ونزولنا ويتممون علينا. أصر أبى أن أذهب إلى معرض الغنائم بصحبة أصدقائه من المعلمين بعد جولات الحديقة والأهرام وصلنا معرض الغنائم فى المغرب.
معرض الغنائم كان مزدحما بالزوار، رحلات من مدارس مصر وجامعاتها ومواطنون، المرة الأولى التى أرى فيها كل هذا الكم من الأسلحة، فى مكان واحد، دبابات وعربات مدرعة ومدافع ودانات وقنابل، مدافع وطائرة إسرائيلية كاملة تم إعادة تركيبها فى ساحة المعرض وظلت سنوات بعد انتهاء المعرض، أسلحة بعضها لم يستخدم. 
قال الضابط وهو يشرح بفخر، إن الجنود الإسرائيليين هربوا من الرعب وتركوا أسلحتهم سليمة، وبعد سنوات فى الدفاع الجوى عرفت حجم الجهد الذى يبذله قوات الدفاع الجوى لرصد ومتابعة الطائرات. 
كان الضباط يشرحون بفخر ويجيبون عن أسئلة الرواد بابتسامات وتعليقات، وكان الرواد يعلقون بسخرية من هروب الإسرائيلييين وشجاعة الجنود، كانت هناك مئات الدبابات والمدافع والدانات وصواريخ صغيرة وكبيرة، بعد سنوات عرفنا قصص وبطولات عبدالعاطى صائد الدبابات، وأسماء كثيرة لأبطال صمموا على النصر، كانت الإرادة لدى أبطال القوات المسلحة وراء النصر، الأمر ليس فقط بالسلاح المتطور الذى كانت إسرائيل تتفوق فيه علينا، بينما جنود المشاة
يواجهون الدبابات بالآر بى جى وبصدور عارية. كان الأستاذ «محمود الغرة» مولعا بفك وتركيب الآلات والتليفزيونات والراديو والسيارات، حاول أن يفك دانة مدفع ضخمة، لولا حذره أحد الضباط، ضحك المعلمون على الأستاذ محمود وهو يفك الدانة. 
 
اصطحبنا الأستاذ محمود بين الدبابات وقفز على إحداها ورفع الغطاء العلوى ونادانا لنتفرج «ادخلوا بسرعة»، داخل الدبابة كانت هناك بقايا أدوات وملابس للجنود الإسرائيليين الذين هربوا وتركوها على حالها. أشار الأستاذ محمود إلى منظار وأزرار لإطلاق النار وتوجيه الدبابة من الداخل، كنت أشعر بأرواح الجنود وأصوات الحرب تدوى حولنا. 
 
فى معرض الغنائم كان المكان مضيئا ومزدحما ومبهجا، والمعلمون معنا فرحون و نشعر بفخر كبير، الآباء والمعلمون يشعرون بفخر وسعادة أكبر. منهم من لايزال هو أو شقيقه فى الجيش، والكل كان يشعر بفخر لاستعادة كرامة الانتصار.
 
 رحل الأستاذ محمود وآخرون من معلمينا فى هذه الفترة، وبقيت مشاهد المعرض والغنائم فى الجزيرة عالقة أتذكرها كلما مررت بالأوبرا أو زرت المعرض، وكانت نفس أرض المعارض هى التى شهدت أول صدام عند أول مشاركة لإسرائيل فى معرض الكتاب أوائل الثمانينيات من القرن العشرين. التقطنا صورا لا أعرف أين ذهب بعضها على الدبابات أو بجانب الأسلحة، وبقيت هذه الأيام شاهدا على بطولات آبائنا وإخوتنا من شهداء أو من عادوا ليعيشوا بيننا. 
 
ظلت صور زملائى وزميلاتى فى الذاكرة، ولا أعرف ما إذا كانت هناك أفلام تسجيلية لمعارض الغنائم يمكن إعادة عرضها، مرت أيام الحرب وتكررت مشاهد وداع الشهداء، وعاد الجنود والضباط إلى أعمالهم، وبعضهم مصابا بشظايا أو حروق أو أطراف صناعية، وتغيرت الدنيا، وبقى مشهد دخولى إلى الدبابة، ومنظر الطائرة الضخمة منصوبة فى ساحة المعرض، عالقا وشاهدا على أيام ذهبت وتركت الكثير من الحكايات التى صنعتها أرواح شهدائنا وأرواح من بقى منهم يحمل ذكريات النصر، كان معرض الغنائم وهذه الأيام جزءا من أيام المصريين، وشاهدا على هذا الرباط الذى يربط جيلنا بقواتنا المسلحة، دخلنا الجيش وخرجنا، وظلت هذه الأحبال السرية تربطنا بأرواح أبطال عرفنا بعضهم، ورحل بعضهم، لكنهم صنعوا صورة الجيش فى قلب كل مصرى.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة