إذا كنا نتحدث عن قصص الحروب وأفلام الحروب وبطولاته، بمناسبة ذكرى العبور، نكتشف أن السينما ربما لم تعالج البطولات التى تقترب من الأساطير لجنود وضباط صنعوا هذا الانتصار، ولكل جندى شارك فى العبور قصة تساوى الكثير، وفى كل شارع وحارة بمصر كان هناك شهيد أو عائد بطل لديه ما يرويه.
هناك ثلاث صور خلدت الانتصار، محمد العباسى أول من رفع علم مصر بعد عبور القناة، وخلدته أغنية «محمد أفندى رفعنا العلم»، والبطل عبدالرحمن أحمد عبداللاه القاضى، وصورته يرفع البندقية باليمين ويضم قبضته الشمال ويصرخ فرحا، والبطل محمد طه، صاحب أشهر علامة نصر، كانت هذه الصور أيقونات وراء كل منها قصة تصلح موضوعا لفيلم، ثم إنها دليل آخر على بطولات المصورين والمراسلين العسكريين الذين كانوا يدا بيد مع أبطال القوات المسلحة، وبعضهم استشهد أو أصيب.
«محمد أفندى رفعنا العلم، وطولت روسنا ما بين الأمم»، أغنية ترددت فى الشوارع بعد العبور ظنها البعض أسطورة شعبية، لكنها كانت قصة محمد العباسى، من قرية القرين بمحافظة الشرقية، حكى العباسى لحظة رفعه علم مصر على سيناء عقب العبور قائلًا: «بعدما سيطرنا على النقطة الحصينة كنا فرحانين، لا نصدق أننا عبرنا الألغام والحواجز والقصف، وأصبحنا على أرض سيناء، «قال قائد الكتيبة ناجى الجندى: مبروك يا محمد مبروك يا حسين مبروك يا على.. يا عباسى، خد العلم وارفعه.. أخدت العلم بفرحة جامدة ومسكته وطلعت على السارى نزلت العلم الإسرائيلى وقطعته ودوسته برجلى وبدأت أرفع علم مصر».
الأيقونة الأخرى للبطل عبد الرحمن القاضى، من المراغة بسوهاج، أحد أيقونات العبور صورته على الجبهة ممسكا بسلاحه باليد اليمنى، رافعا قبضته اليسرى، صارخا بأعلى صوته فرحا بعبور قناة السويس، والصورة تنطق. القاضى أحد أبطال الكتيبة 212 دبابات فى الفرقة 19 مشاة، تم تجنيده فى 4 أكتوبر 1967 وشارك فى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، والصورة الأيقونة التقطها المصور شوقى مصطفى أحد المصوريين العسكريين وسماها «فرحة مصر» يوم 7 أكتوبر 1973، لتصبح واحدة من أيقونات العبور، ويروى فى أحد أحاديثه أن كتيبته عبرت للضفة الشرقية 33 دبابة، وعادت بنفس العدد واستشهد منها ضابطان وجنديان.
الصورة الثالثة للبطل محمد طه، صاحب أشهر علامة نصر التى تختصر العبور بالكامل، وروى أكثر من مرة قصة الصورة الأيقونة، أن كتيبته تعرضت لهجوم بالطائرات الإسرائيلية، بموقع عيون موسى، وأصيب رفيق السلاح بدانة بترت ساقه: «تطوعت أن أحمله، وحمل زميلى الساق المقطوعة وعبرنا قناة السويس سباحة، وكانت السباحة صعبة وسط السفن الغارقة والشعاب المرجانية، عبرنا بزميلنا الغائب عن الوعى وسلمناه لوحدة العلاج، وعدنا إلى غرب القناة عبر أحد الممرات التى تم فتحها وقابلنى مراسل صحفى هو المرحوم «فاروق إبراهيم» من أخبار اليوم، ودون أى تحضير وبتلقائية شديدة، ظهرت الإشارة بالسبابة والوسطى وإخفاء باقى الأصابع فى قبضة اليد، تمثل شكل خريطة سيناء، السبابة تمثل خليج العقب ، والوسطى تمثل خليج السويس، ويحتضنان أرض سيناء، حيث تمثلها منطقة الفراغ بين الأصبعين. الصورة تقول: «سيناء أصبحت فى أيدينا»، وكان ذلك يوم 7 أكتوبر فى الفترة بين العصر والمغرب.
وبالطبع كانت هناك عشرات الصور التقطها المصورون العسكريون، لخط بارليف بعد تدميره، وللأسلحة الإسرائيلية المدمرة التى هجرها الجنود، كان المصورون العسكريون أبطالا يشاركون بالقلم والصورة وسجلوا البطولات والأساطير يدا بيد، ولهذا قصة أخرى لكن تبقى هذه الصور تعبيرا عن لحظات الانتصار، ولكل منها قصة، وللمفارقة فقد رحل محمد العباسى رفعنا العلم، وعبدالرحمن القاضى فى أوقات متقاربة من العام الماضى، وقبلهما عبدالعاطى، صائد الدبابات، والأسطورة الخالدة للنصر مع غيره من قصص، وتبقى الصور أيقونات وشاهدة على أيام العبور.