فى نظرة عامة لأحوال المجتمع فى غضون أيام قليلة نجد هناك الكثير من المتناقضات التى اكتظت بها مصر ما بين القيمة والرداءة، الخسة والشهامة، الرحمة والقسوة .
أما عن القيمة التى تتفوق عليها الرداءة فليس هناك أبلغ من هذا المثال الحى بين المتناقضين الذى انتشر بشدة على صفحات الأخبار ووسائل التواصل المختلفة الخاص، بالتحدى السافر الذى أعلنه أحد ظواهر الرداءة التى أصابت المجتمع فى مقتل (الذوق والتذوق)، والذى تجسد فى أحد مطربى المهرجانات، ومن على شاكلته وبين نقيب المهن الموسيقية المطرب الكبير هانى شاكر، والذى ان كنت من محبيه أو غير ذلك فهذا لا يمنع أنه يسكن الجهة الأخرى من جهتى المجتمع والتى باتت شبه مهجورة، إذ أن جهة القيمة والكفاءة والموهبة قد خفت موازينها وثقلت موازين "الأى كلام" والأنصاف وأشباه الموهوبين فى كل المجالات وعلى كل المستويات.
وما زالت المعركة مستمرة بين المتناقضين، فهل يستطيع نقيب الموسيقيين أن يتغلب على مطرب المهرجانات كأحد أمثلة الوباء الذى اجتاح الذوق العام؟.. وإن تمكن من شطب بيكا وأمثاله من النقابة فهل يتمكن من شطب من هو أشد قسوة وأكثر خطراً منه على المجتمع بأجياله الحالية؟.. على ما أعتقد أن القيمة والكفاءة دون سطوة بغض النظر عن مصدر وشكل هذه السطوة قد باتت معايير عفا عليها هذا الزمن .
و"عن الخسة والشهامة "فتتجسد فى تلك القضية التى شغلت الرأى العام الخاصة بمقتل شاب صغير قد أُطلق عليه شهيد الشهامة على يد حفنة من الصبية الأشرار فى مثل عمره، ولن تنطفئ النار التى اشتعلت بصدور ذوى المجنى عليه والتى ربما يتبعها رغبة بالثأر قد تفتح الباب أمام المزيد من الجرائم. القضية هنا ليست مجرد جريمة يحكم بها القضاء ليحسم أمرها لكنها أهم وأكبر من ذلك، فالجرم هنا يقع على عاتق المجتمع بأسرة وما أصابه فى العقود القليلة الماضية من عوج وانهيار بالتربية والتعليم والأخلاق والذوق والدين والفن والثقافة، مما أسفر عن أجيال جديدة لم تحظ بالحد الأدنى من أبجديات التربية والخلق والدين والقيم التى كانت فى زمن ليس ببعيد موانع قوية راسخة تحول دون مثل هذه السلوكيات التى تطورت من السطحية والرداءة إلى العنف والبلطجة إلى القتل العمد دون رادع دينى أو أخلاقى لشباب بعمر الزهور.
وإلى محطة ضحية تذكرة القطار، والتى تجلت بها تلك الحالة العامة التى اجتاحت المجتمع المصرى من انعدام الإنسانية واختفاء الرحمة وتحجر القلوب.
والغريب أن هذه الصفات القاسية لم تكن يوما من خصال المصريين الذين كانت أشهر وأهم صفاتهم الشهامة والمروءة والإنسانية والرحمة والجود، وما بين طرفة عين وانتباهتها تبدلت أحوال الناس وتغيرت صفاتهم الأصيلة وتجرد معظمهم من أخلاقياته وقيمه وتقاليده التى لم تعد تتناسب ومفردات العصر الحديث المتجردة من كل معانى الإنسانية .
وأخيرا وليس آخرا تلك السيرة الذاتية لزعيم داعش المقتول على يد أسياده من الرعاة والممولين بعدما أصبح كارتاً محروقاً، والتى تؤكد أنه تربى وتعلم وتخرج من مدرسة الإخوان المسلمين وتدرب على منهج سيد قطب، ذلك قبل أن يترقى وتكتمل أوراق تنصيبه ليحمل راية القيادة لتنظيم إرهابى مسلح بمسمى جديد لتنفيذ مخططات وسياسات الجماعة الأم والتى تقوم هى الأخرى بدورها فى تنفيذ سياسات كبرى دول العالم وبتمويلاتهم.
نهاية فلن يكون هناك خلاص للمجتمع إلا بتكاتف كافة مؤسساته الدينية والتعليمية والثقافية إلى جانب التربية بالبيوت لانتشاله من هذا المستنقع العميق الذى غاص به، واستعادة أخلاقياتنا وتقاليدنا وديننا الوسطى المعتدل وسماحتنا المعتادة وأذواقنا الرفيعة التى كان لها أكبر الأثر فى تربية وتهذيب أنفسنا والارتقاء بها .لعل الله يجعل لنا من بعد عسرٍ يسرا.