تُصدر النيابة العامة من وقت إلى آخر قرارات عدة في عدد من القضايا المنظورة أمامها، عقب الانتهاء من التحقيقات، وتكون القرارات ما بين الإحالة للمحاكمة الجنائية والحفظ وألا وجه لإقامة الدعوى.
وأخر ما أمرت به جهات التحقيق بـ"ألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية" قرارها بشأن أميرة أحمد مرزوق، المعروفة بـ"فتاة العياط"، لعدم الجناية، لوجودها في حالة دفاع شرعي عن عرضها – كما ورد في بيان النيابة – وذلك عقب مرور 120 يوماَ على ارتكاب واقعة القتل في غضون 13 يوليو، وأجراء تحقيقات موسعة حول الحادث وتوجيه تهمة القتل العمد للفتاة.
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على مسألة الأمر بـ"ألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية"، الذى يصدر فى مئات القضايا من قبل النيابة العامة والأثار المترتبة على قرار "ألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية"، ومن الذى يجوز له إصدار القرار؟ وهل يجوز إلغاؤه من الناحية الإجرائية، وما هو الفرق بينه وبين قرار "الحفظ"، وكذا ما هي شروطه – بحسب الخبير القانوني والمحامي حسام الجعفرى.
القرار بـ"ألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية" هو أمر قضائي تصدره سلطة التحقيق لتقرر عدم وجود مقتضى لإقامة الدعوى الجنائية لسبب من الأسباب التي بينها القانون ولابد أن يكون مسبب حيث نصت المادة 209 من قانون الإجراءات الجنائية: "إذا رأت النيابة العامة بعد التحقيق بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أن تصدر أمراً بذلك ويجب أن يشتمل الأمر على الأسباب التى بنى عليها"، ويعتبر تسبيب الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى بمثابة ضمانة لحسن سير العدالة وهو وسيلة لتريث المحقق في تمحيص وقائع الدعوى وتطبيق صحيح القانون.
من المنوط به إصدار الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية؟
يجوز اصدار الأمر من قاضي التحقيق أو النيابة العامة، حيث نصت المادة "154" إجراءات جنائية: "إذا رأى قاضى التحقيق أن الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو أن الأدلة على المتهم غير كافية يصدر أمر بألا وجه لإقامة الدعوى"، وبالنسبة للأمر الصادر من النيابة العامة فلم يقيد النص أسبابه بأى قيد كالتالي:
"إذا رأت النيابة العامة بعد التحقيق أنه لا وجه لإقامة الدعوى تصدر أمرا بذلك"، فلها أن تصدر الأمر لأسباب قانونية وموضوعية، وكذلك لها أن تأمر بأنه لا وجه لإقامة الدعوى بسبب موضوعي خاص بها وهو مجرد عدم الأهمية مع أن الواقعة تخضع للعقاب قانونا، وتوافر الأسباب القانونية التى يبنى عليها الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية إذا رأى المحقق أن الواقعة لا يعاقب عليها القانون أى لا تشكل جناية ولا جنحة ولا مخالفة، وتعبير المشرع بأن "الواقعة لا يعاقب عليها القانون" في المادة 154 إجراءات يتسع ليشمل:
1-توافر أحد أسباب انقضاء الدعوى الجنائية.
2-توافر أحد أسباب الإباحة.
3-توافر أحد موانع المسئولية.
4-توافر أحد موانع العقاب .
وأسباب الإباحة عبارة عن ظروف مادية تطرأ وقت ارتكاب الجريمة فترفع عنها الصفة الإجرامية، فرغم قيام الجريمة ركنيها المادي والمعنوي، ثم رابطة السببية لكن ارتكاب الفعل في ظل هذه الظروف من شأنه إباحة الجريمة وعدم مسئولية مرتكبها، فالمشرع يرى في ذلك تحقيق مصلحة أولى بالرعاية من مصلحة توقيع العقاب على الجريمة – وفقا لـ"الجعفرى".
لذلك أسباب الإباحة تقررها نصوص قانونية تعد استثناء على نصوص الجريمة، وبالتالي يتم تجريد الصفة الغير مشروعة على الفعل الإجرامي فتجعله مباحا لا عقاب عليه، مما ينتج أثر إجرائي يتمثل في وجوب وقف تحريك الدعوى تجاه المتهم، ومن ثم إذا كانت الدعوى مطروحة أمام المحقق وثبت له توافر أحد أسباب الإباحة فعليه التقرير بألا وجه لإقامة الدعوى فعليه أولا التحقيق من قيام أحد أسباب الإباحة وبعد ذلك التحقق من شروطه.
وأسباب الإباحة ثلاثة أنواع:
1-الدفاع الشرعي .
2-استعمال الحق.
3-أداء الواجب.
الآثار القانونية المترتبة على الامر بالأ وجه لإقامه الدعوي الجنائية
الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية لا يترتب عليه انقضاء الدعوى الجنائية، بل يوقف السير في إجراءات الدعوى بحالتها، فإذا ما ظهرت أدلة جديدة أو إذا ألغى الأمر من الجهة المرفوع إليها الطعن أو من النائب العام تغيرت حالة الدعوى وجاز العودة إلى السير في إجراءاتها، وكذلك يترتب على صدور الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أثر آخر يتمثل في ضرورة الإفراج عن المتهم الصادر الأمر لصالحه متى كان محبوسا احتياطيا – الكلام لـ"الجعفرى".
متي يلغي الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية؟
لقد حدد المشرع بعض الإجراءات للرقابة على سلطة التحقيق وما تصدره من أوامر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية حيث أجاز إلغاء هذا الأمر من النائب العام خلال الثلاثة أشهر التالية لصدوره إذا كان صادر من النيابة العامة.
وكذلك أجاز الطعن في هذا الأمر بالاستئناف سواء كان صادر من النيابة العامة أو قاضى التحقيق ويكون لكل ذي مصلحة في الطعن مباشرته، حيث نصت المادة 211 إجراءات جنائية أن: "للنائب العام أن يلغى الأمر بألا وجه في مدة الثلاثة أشهر التالية لصدوره ما لم يكن قد صدر قرار من محكمة الجنايات أو من محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة بحسب الأحوال برفض الطعن المدفوع في هذا الأمر".
والدفاع الشرعي من الناحية القانونية والإجرائية لم يشرع لمعاقبة معتد على اعتداءه إنما شرع لرد العدوان وشروطه
أولاَ: شروط الاعتداء
1-وجود خطر بارتكاب جريمة.
2-أن تكون الجريمة من الجرائم الواقعة على النفس أو على المال.
3-أن يكون الخطر حال ولا يجوز دفعة بالالتجاء إلى السلطات العامة.
ثانياَ: شروط الدفاع:
1-أن يكون لازم لدفع الاعتداء.
2- أن يكون متناسبا مع الاعتداء.
ويشترط لقيام حق الدفاع الشرعي أن يكون المتهم قد اعتقد على الأقل وجود خطر على نفسه أو ماله أو على غيره أو ماله وأن يكون لهذا الاعتقاد سبب معقول ويشترط أيضا وقوع فعل ايجابي يخشى منه المتهم وقوع من الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي ولابد أيضا أن يكون الدفاع لازم ومتناسب، حيث نصت المادة 245 من قانون العقوبات: "لا عقوبة مطلقا علي من قتل غيره أو اصابه بجراح أو ضربه اثناء استعمال حق الدفاع الشرعي عن نفسه أو ماله أو عن نفس غيره أو ماله".
الأثار المترتبة علي توافر حالة من حالات الدفاع الشرعي
يترتب على توافر وتحقيق الشروط الازمه للدفاع الشرعي أن يصبح فعل المدافع مباحا، أما إذا لم تتوافر هذه الشروط، وخاصة شرط التناسب بين الفعلين فإن العمل لا يكون مباحا ويدخل في دائرة التجريم.
الفروق القانونية وماهية قرار الحفظ وألا وجه لإقامة الدعوى
الفروق القانونية وماهية قرار الحفظ وألا وجه لإقامة الدعوى، أولاَ جهة الإصدار فى تلك القرارات كلا الأمرين يصدران من النيابة العامة وهي صاحبة الاختصاص في كافة المحاضر والشكاوى التي يتم طلب تحريكها عن طريق الأفراد أو عن طريق الأشخاص المعنوية.
"أمر الحفظ" يصدر من عضو نيابة بدرجة وكيل نيابة، بينما يصدر "الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى" في الجنايات من رئيس نيابة ولا يكون نافداً إلا بعد التصديق عليه من النائب العام، كما أن الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الصادر في الجنح والمخالفات، فيجوز صدوره من عضو نيابة بدرجة وكيل نيابة، وللنائب العام حق إلغاءه خلال ثلاثة أشهر من تاريخ الصدور.
طبيعة الأمرين
وثانياَ عن طبيعة الآمرين، أمر الحفظ ذو طبيعة إدارية وعليه يجوز العدول عنه في أي وقت وهو عبارة عن ختام إجراءات الاستدلال التي جمعت، أما الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى فهو ذو طبيعة قضائية ولا يجوز العدول عنه إلا إذا ظهرت أدلة جديدة "شهادة شهود أو تقديم أوراق لم تعرض على النيابة من قبل تقوي الأدلة التي كانت غير كافية.
أسباب الغاء الأمر
المادة – 197 من قانون الإجراءات الجنائية، ف الأمر الصادر من قاضى التحقيق بأن لا وجه لإقامة الدعوى يمنع من العودة إلى التحقيق إلا إذا ظهرت دلائل جديدة قبل انتهاء المدة المقررة لسقوط الدعوى الجنائية، ويعد من الدلائل الجديدة شهادة الشهود والمحاضر والأوراق الأخرى التي لم تعرض على قاضى التحقيق أو غرفة المشورة ويكون من شأنها تقوية الدلائل التي وجدت غير كافية أو زيادة الإيضاح المؤدى إلى ظهور الحقيقة، ولا تجوز العودة إلى التحقيق إلا بناء على طلب النيابة العامة.
تسبيب الأمر والتظلم منه أو الطعن عليه
وثالثاَ عن تسبيب الأمر والتظلم منه أو الطعن عليه، فإن الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى يجب أن يكون مسبب، كما أن الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى يجوز الطعن عليه بالاستئناف لأنه ذو طبيعة قضائية هذا بخلاف أمر الحفظ، وأن الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى يقطع التقادم بخلاف الأمر بالحفظ.
حال صدور قرار بألا وجه لإقامة الدعوى من النيابة دون إلغاءه من النائب العام
وعن أهم النتائج المترتبة على هذه الفروق بين الأمر بالحفظ والأمر بان لا وجه، فإن حالة صدور قرار من النيابة العامة بأن لا وجه لإقامة الدعوى ولم يلغى من النائب العام فلا يجوز للنيابة العامة أن تحقق في ذات الواقعة مرة أخرى وتقديم المتهم للمحاكمة وإذا فعلت ذلك تحكم المحكمة بعدم قبول الدعوى.
كيفية الطعن على قرار الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى
أما عن كيفية الطعن على قرار الأمر بألا وجه لإقامة الدعوى أمام محكمة الاستئناف والدعوى في الأصل لم ترفع أمام المحكمة الابتدائية، فان الطعن بالاستئناف هنا جاء بنص القانون المادة: "للمدعى بالحقوق المدنية استئناف الأوامر الصادرة من قاضى التحقيق بألا وجه لإقامة الدعوى"، المادة -166- "معدلة بالقانون رقم 107 لسنة 1962 ، ثم استبدلت بالقانون 145 لسنة 2006"، و يكون ميعاد الاستئناف عشرة أيام من تاريخ صدور الأمر بالنسبة إلى النيابة العامة ومن تاريخ إعلانه بالنسبة إلى باقى الخصوم"، وبالتالي هذا الطريق رسمه المشرع وعليه لا يجوز الطعن على قرار النيابة إلا أمام محكمة الاستئناف، وأن ميعاد استئناف الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى هو عشرة أيام من تاريخ إعلان الأمر للخصــوم .
متى تقرر النيابة العامة في القضية بأن لا وجه لإقامة الدعوى
وبالسؤال عن متى تقرر النيابة العامة في القضية بأن لا وجه لإقامة الدعوى ومتى تأمر بالحفظ؟، أجاب "الجعفرى" - "أذا تدخلت النيابة في التحقيق سواء بأن حققت مع المتهم أو صدر أذن منها لمأمور الضبط القضائي بالتفتيش مثلا، وتوصلت فيما توصلت إليه بانتفاء التهمة أو بأن الواقعة لا يعاقب عليها القانون أو أن الأدلة غير كافية فيكون في هذه الحالة القرار الصادر من النيابة بان لا وجه لإقامة الدعوى"، أما إذا اكتفت النيابة العامة بمحضر الشرطة - محضر جمع الاستدلالات - ولم تباشر التحقيق بمعرفتها ورأت من خلال المحضر أن الفعل لا يشكل جريمة أو الأدلة غير كافية لإدانة المتهم فتأمر بحفظ المحضر.
التظلم على القرارين
القراران يجوز التظلم عليهما أمام غرفة المشورة، لكن حفظ القضية حجيته ليست قوية للمدعي عليها فقد يعاد فيها التحقيق، بينما ألا وجه حق حجيته قوية في عدم قبول التظلم أو إحالة المتهم في ذات الدعوى من جديد.
نشر القرار فى جريدتين واسعتى الانتشار
وفى مثل هذه الحالات فقد حافظ قانون الإجراءات الجنائية على إسم وسمعة الموجه لهم الاتهام من التشويه، فقد نصت المادة 312 مكرر من قانون الإجراءات الجنائية التي على أن: تلتزم النيابة العامة بنشر كل حكم بات ببراءة من سبق حبسه احتياطيا، وكذلك كل أمر صادر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله في جريدتين يوميتين واسعتي الانتشار على نفقة الحكومة، ويكون النشر في الحالتين بناءً على طلب النيابة العامة أو المتهم أو أحد ورثته وبموافقة النيابة العامة في حالة صدور أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى".