حالة من التنافس بين القوى الدولية الكبرى، حول النفوذ فى قارة أفريقيا، باتت تتجلى بوضوح فى الأشهر الماضية، مع تواتر القمم التى تنظمها بعض القوى الاقتصادية والسياسية فى العالم، مع الزعماء الأفارقة، تارة، والمبادرات التى تطلقها قوى أخرى، لتحقيق المزيد من التعاون تارة أخرى، وهو ما يتزامن مع رئاسة مصر للاتحاد الإفريقى، فى انعكاس صريح للدور الهام الذى يقوم به الرئيس السيسى لتحقيق ما يمكننا تسميته بـ"التنمية الجماعية"، بحيث لا يقتصر المنظور المصرى للتنمية على المستوى الفردى، ولكن يمتد إلى القارة بأسرها باعتبارها المحيط الإقليمى والعمق الاستراتيجى لمصر.
الاهتمام الدولى بأفريقيا لم يبدأ فى الأشهر الماضية، حيث كانت للقوى الاقتصادية فى آسيا، كاليابان والصين، السبق فى السعى نحو القارة السمراء، عبر المنتديات التى تعقد كل عامين، على غرار قمة "التيكاد"، أو قمة "الصين إفريقيا"، والتى بدأت منذ بداية الألفية، إلا أن الأمر شهد توسعا أكبر فى الأشهر الماضية، فى ظل دخول أطراف أكثر قوة فى ساحة الصراع، على غرار روسيا والولايات المتحدة، والتى سعت إلى القيام بدور أكبر فى دعم إفريقيا، فى إطار رغبة كلا منهما فى الحصول على نفوذ أكبر فى العديد من مناطق العالم.
ولعل القمة التى ترأسها الرئيس السيسى، مع نظيره الروسى فلاديمير بوتين، فى منتجع سوتشى، دليلا دامغا على رغبة موسكو فى اقتحام القارة السمراء، فى ظل صراعها مع الولايات المتحدة، بعدما نجحت فى مزاحمتها فى الشرق الأوسط عبر البوابة السورية، ليأتى الرد الأمريكى عبر ما يسمى بمبادرة "ازدهار أفريقيا"، والتى تهدف فى الأساس إلى توسيع الدور الذى يقوم به القطاع الخاص فى القارة، وذلك لتحقيق التنمية الاقتصادية.
وهنا يتجلى بوضوح توسع الاهتمام بإفريقيا، حيث أنه لم يعد يقتصر على "النمور" الآسيوية، ليمتد إلى القوى المتنافسة على صدارة المشهد الدولى، فى دليل دامغ على أن أفريقيا أصبحت ساحة الصراع على النفوذ الدولى، فى إطار المشهد الدولى المتغير، والذى تسعى فيه كلا من واشنطن وموسكو تحقيق أكبر قدر من المكاسب فى المرحلة المقبلة.
التزامن بين الاهتمام الأمريكى الروسى بأفريقيا مع رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى يمثل انعكاسا صريحا ليس فقط لقوة الدبلوماسية المصرية، وقدرتها على إثراء القارة السمراء، منذ عام 2014، بعد عقود من الإهمال، فى ظل نجاحها الكبير فى الوقوف على مسافة متساوية مع القوى الدولية، عبر سياسة تنويع التحالفات، التى تبنتها مصر منذ بداية عهد الرئيس السيسى، ولكن أيضا تنامى مفهوم المصلحة الجماعية ليصبح التوجه الرئيسى للسياسة الخارجية المصرية، بحيث يصبح الهدف وراء السياسات التى تتبناها الحكومة المصرية ليس فقط تحقيق المصلحة الفردية، ولكن الاهتمام بالمحيط الإقليمى، خاصة وأن المصالح الداخلية ترتبط إلى حد كبير بدول الجوار، فى ظل التحديات الاقتصادية المشتركة، وما يترتب عليها من تهديدات أخرى ترتبط بالإرهاب والأمن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة