تعانى مصر على مدار عدة عقود ماضية من أزمة شديدة في قطاع النقل والمواصلات، حيث تعتبر الشوارع المصرية من أكثر الشوارع ازدحاما في العالم.
ورغم قيام الدولة بمحاولات كبير لتخفيف هذا الزحام، برفع كفاءة بعض الطرق، وبناء المدن الجديدة وتشجيع المواطنين على الانتقال إليها، بالإضافة إلى تنفيذ المشروع القومى للطرق بين المحافظات، إلا أن كل هذه الإجراءات لم تفلح في امتصاص الزيادة الكبيرة فى أعداد السكان أو تحسين وضع الشوارع.
وأمام اشتداد الأزمة من جانب، وغضب المواطنين من صعوبة الحصول على وسيلة مواصلات جيدة وآمنة إلى أعمالهم ومصالحهم، ظهرت الشركات الأجنبية التى منحت المواطن فرصة الحصول على مواصلة مريحة وبأسعار ليست عالية، ويحكم تحديدها ضوابط معينة ومعلنة من هذه الشركات، وهو ما لاقى استحسانا كبيرا من المواطنين، وجعلهم يقبلون على استخدام وسائل المواصلات الخاصة بهذه الشركات، خاصة أنها تعمل بنظام إلكترونى وسهل.
ومع تزايد استخدام المواطن المصري لمواصلات الشركات الأجنبية، تأثر بشدة السوق التى تعمل بها سيارات الأجرة المصرية المحلية، مثل التاكسى، وغيره، والتى كانت تغالى جدا فى أسعار رحلاتها، بسبب عملها بشكل فردي وبدون رقابة جيدة، مما يتيح لكل سائق تاكسى أن يحدد السعر على هواه، وأغلبهم كان يمتنع عن استخدام العداد أو أن يتلاعب في طريقة عمله، مما كان يثير المشكلات دائما مع الركاب، كما كانت وسائل المواصلات العادية تقوم بتقطيع الطريق أكثر من مرة، لإجبار الراكب على دفع الأجرة أكثر من مرة، بالإضافة إلى ما كان يسببه ذلك من إهدار الوقت وتعطل المصالح في الانتقال بين المواصلات.
ومع نجاح التجربة الأجنبية، غضب العاملون فى هذه المواصلات المحلية، وتظاهروا ضد الشركات الأجنبية لأنها تضر مصالحهم، رغم أنهم هم سبب نجاحها، نتيجة طمعهم، وعملهم بشكل فردى، وتقديمهم خدمات سيئة، لكنهم طالبوا الدولة من خلال مظاهرات بمنع هذه الشركات من العمل.
ولسنا ضد مصالح السائقين المصريين، ولكن ضد استغلالهم للوضع ومحاولة احتكارهم للسوق، كما أنهم يجب أن يعملوا ضمن منظومة واضحة يتم فيها التعامل بشفافية، وتحدد فيها الأسعار بطريقة علمية واضحة، بدون تدخل السائق، ويخضع فيها السائق المتجاوز لمنظومة عقاب تردعه وتردع الآخرين عن التجاوز، وهنا سنشجع جميعا السائق المصرى ونقف بجانبه حفاظا عليه.
وعلى جانب آخر، لا يمكن أن تحاول الدولة بكل الطرق تشجيع الاستثمار الخارجي، في كل القطاعات، ثم بعد أن تأتى الشركات الأجنبية للاستثمار نحاربها ونمنعها من العمل، والحل الوحيد أن تعمل هذه الشركات بشكل مقنن يراعى ألا تجور هذه الشركات على السائق المحلى، وأن لا تحتكر السوق بأى وسيلة، وتخضع عمليات التسعير بها إلى رقابة صارمة، كما يجب أن تتطور وسائل النقل المحلية أيضا لتواكب العصر وتستطيع أن تنافس هذه الشركات، بأن تعمل ضمن منظومة معينة تشرف عليها الدولة.
ولذلك، يجب أن يتم إنشاء هيئة موحدة لقطاع النقل، سواء عام أو خاص، تخضع لمعايير ونظام حديث ومتطور، حتى تستطيع هذه المنظومة تطوير وسائل النقل المحلى وجعلها أكثر راحة وأكثر تنظيما، وأفضل أداء، وتساهم في حل أزمة المواصلات، وتغير الصورة الزهنية العالمية عن الشوارع المصرية العشوائية المزدحمة، حتى تتناسب مع بلد به نصف أثار العالم والمفترض أن يكون القبلة الأولى للسياحة العالمية.. فهل يمكن أن نجد هيئة قومية لقطاع النقل العام والخاص معا، ومعها قانون ينظم عمل هذا القطاع قريبا؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة