ظل حلما يراود العلماء والمهتمين بالبيئة منذ سنوات عديدة، إنه حلم استخدام الطاقة الشمسية التي كانت دائما الخيار الأمثل لاستخدام الطاقة المتجددة، الأمر الذي دفع العديد من الشركات التي خططت لاستغلال الشمس الساطعة في صحاري أفريقيا ومنها مصر على وجه التحديد لتوليد الطاقة الصديقة للبيئة، بل أنه منذ عشرات السنين هناك من طالب باستغلال صحاري مصر لتوليد الطاقة من الشمس، لكن الجديد اليوم هى محاولات إنتاج الطاقة ونقلها لأوروبا للاستفادة من هذه القوة الهائلة المتوفرة على الأراضي المصرية.
وبفضل تشجيع الرئيس السيسي وسعيه الحثيث لتطوير موارد مصر في هذه اللحظات الحاسمة من التاريخ تنوي مجموعة من الشركات الألمانية استثمار حوالي (400 مليار يورو) في مشروع عملاق للطاقة الشمسية يحمل اسم "ديزرتيك DESERTEC" بهدف نقل الطاقة من الصحراء الكبرى في شمال إفريقيا إلى المنازل والمصانع الألمانية وأوروبا في آن.
وبفضل هذا الاستثمار الجديد الحيوي تستطيع مصر وغيرها من دول الصحراء المشاركة في مبادرة "ديزرتك" فى الحصول على احتياجاتها من الطاقة الأساسية وتزيد للتصدير، حيث تستهدف المبادرة توليد 15% من حاجة أوروبا من الكهرباء المتولدة من محطات الطاقة الشمسية فى المناطق الصحراوية فى شمال أفريقيا بحلول عام 2050، وسيتم نقل الكهرباء المتولدة إلى أوروبا عبر شبكات كهرباء الضغط العالى العادية.
جدير بالذكر أن مهندس أمريكي اسمه "فرانك شومان" تنبأ بقدرة مصر على تصدير الطاقة لأوربا منذ 100 عاما المشروع العملاق، ما يعيد للأذهان نبوءة ذلك المهندس بأن تصبح مصر مصدر لنقل الطاقة إلى أوروبا بفضل الشمس التي تتميز بها صحاريها في الشرق والغرب على حد سواء.
وحقق "شومان" آنذاك نتائج غير مسبوقة، جاعلًا الطاقة الشمسية أرخص من الفحم، ما شجع الحكومتان " البريطانية والألمانية" في ذلك الوقت لتبني المشروع مقدمتان دعما سخيًا له، ولم يقتصر حلم "شومان" على استثمار طاقة الشمس في صحراء مصر، إذ كان طموحه أكبر من ذلك، وعبر حسابات دقيقة أكدت أبحاثه على أن مشروع الطاقة الشمسية لو أُتيح له الانتشار في منطقة الصحراء الكبرى بمساحة 25 كلم فقط، لتمكن من إنتاج طاقة توازي الطاقة المُستهلكَة في مجمل الصناعات العالمية حينها.
ولأن الرياح عادة تأتي بما لا تشتهي السفن فقد تسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى في العام 1914، وكذلك ميل الشركات والحكومات إلى استخدام الوقود الأحفوري للشحن والتدفئة والمركبات مع انخفاض تكاليف استخراجه من الأرض ومعالجته، بشكل مأساوي في تعطيل مشروع "شومان" الطموح، وعمدت الدول المتناحرة آنذاك إلى تحويل مجامع "شومان" للطاقة الشمسية إلى أسلحة، ليتأجل حلم البشرية في التحول إلى الطاقة النظيفة أكثر من قرن.
تبدأ قصة المهندس الأمريكي "فرانك شومان" إنه خلال صيف عام 1913، في أحد الحقول الواقعة جنوب القاهرة على الضفة الشرقية لنهر النيل، وقف ذلك المهندس أمام تجمع النخبة الاستعمارية في مصر، بما في ذلك القنصل البريطاني العام "اللورد كيتشنر" ، انسكبت جالونات الماء من مضخة تشبعت التربة من قدميه و وقفت وراءه صفا على صف من المرايا المنحنية المعلقة على حمالات معدنية، كل منها موجه نحو الشمس العاتية، وعندما ضربت أشعة الشمس المرايا انعكست على أنبوب زجاجي رقيق يحتوي على الماء تحولت المياه الساخنة الآن إلى بخار.
ربما يرى الخبراء أن هنالك نوع من المخاطر جراء إنتاج هذا النوع من الطاقة، حيث يقولون ان تكنولوجيا الطاقة الشمسية المركزة التي يقوم عليها مشروع "ديزيرتيك"، تتضمن تكاليف ومخاطر أكبر من المشاريع الأصغر نطاقا التي تعتمد على الخلايا الكهربائية الضوئية التي تولد أغلب احتياجات أوروبا من الطاقة الشمسية في الوقت الحالي.
لكن على جانب آخر يعتبر هؤلاء الخبراء أنفسهم أن من نقاط الجذب بالنسبة لمؤسسي مشروع "ديزيرتيك" أن الطاقة التي تتوفر في صحارى العالم في ست ساعات أكبر مما يستهلكه العالم خلال عام بأكمله، وفي هذا الصدد قال "جورج جوف"، وهو باحث وخبير بشؤون المغرب العربي في جامعة "كيمبردرج" أن الصحراء الكبرى تتيح ميزة كبيرة مرغوبة، وهى مسألة القرب من أوروبا، وعدم وجود سكان تقريبا وضوء شمس أكثر حدة، ومن ثم يصبح إهدار هذه الفرصة سيكون جنونا.
وترتيبا على ذلك فإن سبب اختيار الصحراء لتنفيذ مشروع "ديزرتيك"، يجعل الألمان يتجهون إلى إقامة هذا المشروع في الصحراء بحسب البروفيسور "روبرت بيتس- بال Robert Pitz Paal" من وكالة الفضاء الألمانية: "إن الشمس تشع بكثافة أكبر، ولمدة أطول في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط وخاصة في مصر بالمقارنة مع أوروبا، إضافة إلى وجود مساحات كبيرة غير مستغلة هناك، مع العلم أن استغلال نسبة صغيرة منها قد يكفي لتغطية حاجة المنطقة و أوروبا من الطاقة".
وفي نفس الاتجاه يؤكد خبراء شركة "سيمنس" الألمانية إن استغلال 90 ألف كيلو متر مربع من الصحراء الإفريقية لإنتاج الطاقة الشمسية يمكن يولد كهرباء تكفي احتياجات كوكب الأرض بالكامل، لهذا فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي في أثناء حضوره اجتماعات مجموعة الـ 20 وأفريقيا فى ألمانيا يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين، حرص على عقد قمة مصرية ألمانية بينه وبين المستشارة "أنجيلا ميركل"، تناولت بالمناقشة موضوعات التجارة وسبل تعزيز حرية التجارة العالمية والاقتصاد الرقمي والابتكار، وعددا من القضايا المالية والاقتصادية والاجتماعية الأخرى من بينها الطاقة والبيئة والمناخ والاقتصاد الرقمي والتجارة والزراعة والرعاية الصحية والتعليم.
ولقد شهدت زيارة الرئيس لألمانيا التوقيع على اتفاقية بقيمة 154 مليون يورو سيتم توجيهها للاستثمار في مجالات الطاقة الجديدة والمتجددة وحماية البيئة واقتصاديات النفايات الصلبة والتعليم الفني، فضلا عن عقد سلسلة من اللقاءات المهمة مع كبار المسئولين ورجال الأعمال والمستثمرين الألمان حيث تبدي الشركات الألمانية اهتماما كبيرا بالتعرف على مناخ الاستثمار في مصر، خاصة بعد إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها الحكومة المصرية، والتي تجدها تلك الشركات جيدة جدا.
الرئيس في كلمته صباح الثلاثاء الماضي في قمة الـ 20 وأفريقيا ، أكد على إن التقييم الأمين للعلاقات المصرية الألمانية يجعل منها مثالا يحتذى به للتنسيق والتشاور السياسى ولبناء الشراكات الاقتصادية والتجارية، القائمة على المصالح والمنفعة المتبادلة، فمن ناحية توفر مصر فرصا استثمارية هائلة جراء ما تحقق من نتائج مشهود بها على صعيد الإصلاح الاقتصادى، إضافة لما توفره كبوابة للنفاذ إلى قارات ومناطق أخرى، ومن ناحية أخرى يعد الجانب الألماني مما لديه من خبرات وقدرات مالية وتكنولوجية متميزة شريكا استراتيجيا موثوقا على أصعدة متعددة.
وتأسيسا على ما تقدم - يضيف الرئيس - فهناك العديد من التجارب الناجحة التي تحققت ويمكن الاسترشاد بها لتكون حافزا لقيام المزيد من الشركات لتوجيه استثماراتها للدول الإفريقية، وبحيث تضيف للتاريخ الطويل من الترابط القائم بين القارتين الأوروبية والإفريقية والتي تشكل الاستثمارات الألمانية في مختلف القطاعات الاقتصادية الإفريقية ركنا أساسيا منهم، وهو ما نأمل أن تفضى مخرجات اجتماعنا إلى تطويره والارتقاء به من خلال إجراءات عملية توفر التمويل وتعرض فرص الاستثمار وتحفز الشركات بشكل عملى، ولعل المبادرة الألمانية بإنشاء صندوق لتشجيع الاستثمار في إفريقيا، يعد بمثابة تطور مهم نحو تحقيق هذه الغايات المشتركة.
والشيء بالشيئ يذكر، فقد قالت مجلة "ديرشبيجل الألمانية - قبل عام من الآن تقريبا - : فى مصر تشرق الشمس كل يوم، فتوفر لها الخلايا الشمسية على الدوام، لتجعلها الدولة الأكثر توجهًا نحو الطاقة النظيفة والخضراء، والأكثر قدرة على تبنى طاقة متجددة بمساعدة ألمانية، هكذا تحدثت المجلة فى تقرير مطول لها عن مستقبل الطاقة الشمسية فى مصر، مؤكدة أنه "مبهر"، ومشيرة إلى أن مصر تعتبر إحدى دول منطقة الحزام الشمسى الأكثر مناسبة لتطبيقات الطاقة الشمسية.
وأضافت المجلة أن الطقس في مصر مثالى فلا سحب أو غيوم تبدو فى سمائها، بل تشرق الشمس فيها كل يوم من 9 إلى 11 ساعة، ومن ثم يصبح واعدا لبناء أكبر محطة عالمية للطاقة الشمسية، والتى أصبحت الخيار الأمثل لإنتاج وفرة من الكهرباء فى الأراضى الصحراوية بشمال شرق إفريقيا، وقالت إن مصر التى تقع فى الجزء الشمسى للأرض، تحظى بموقعها على أفضل الظروف لاستخدام الطاقة الشمسية، فمتوسط ضوء الشمس المباشر والرأسى هناك يعادل آلفين إلى 3 آلاف و200 كيلو وات/ ساعة لكل متر مربع سنويًا.
ولفتت المجلة إلى أنه فى السنوات الأخيرة، تم جمع البيانات بجميع أنحاء البلاد، ونشرتها الحكومة المصرية مؤخرا بعنوان "أطلس مصر الشمسى"، والذى يقدم معلومات عن توافر أشعة الشمس فى مصر، وساعات توافرها لكل يوم من أيام السنة فى جميع مناطق البلاد، ولإحراز تقدم سريع فى تحويل إمدادات الطاقة، تعمل مصر بشكل وثيق مع ألمانيا، الرائدة دوليا فى مجال الكهرباء والطاقة النظيفة، لبناء مزارع رياح يبلغ مجموعها 380 ميجا وات، بدعم مالى من "كريدت انستالت"، و"فور ويدراوفباو".
وإضافة إلى ذلك، تم إنشاء لجنة "مصرية - ألمانية" للطاقة المتجددة وجودة الطاقة فى القاهرة، والتى تُقدم الدعم الفنى ومختبرات للأجهزة المنزلية لتحسين جودتها، إضافة إلى أنها تُنظم التدريب على الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة للمواطنين.
وفى هذا السياق، أكدت كل من "القاهرة وبرلين" حرصهما على تطوير التعاون المشترك بينهما في مختلف المجالات، والتطلع لمواصلة العمل على دفع العلاقات المتميزة وتطويرها على كافة الأصعدة التي من شأنها الإسهام في تعزيز العلاقات الثنائية، خاصة فيما يتعلق بالتعاون التنموي المشترك والاستثمار في الطاقة المتجددة، وذلك بحسب ما أكده كل من الرئيس السيسي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على هامش القمة في برلين قبل أيام .. أنها إذن دفعة قوية نحو تحقيق الحلم المستحيل لمصر والمصريين بفضل جهود رئيسها البطل عبد الفتاح السيسي الذي يسعى بدأب شديد يوميا لتحقيق رفاهية شعبه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة