كريم عبد السلام

بناء الشخصية المصرية الوطنية

الجمعة، 22 نوفمبر 2019 07:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

بناء الشخصية المصرية الوطنية أحد أهم التحديات التى تواجهنا جميعا فى مختلف مؤسسات الدولة ، فقد أصبح واضحا للعيان تطور أشكال الحروب الحديثة من معارك الجيوش النظامية إلى حروب الجماعات والميليشيات المرتزقة ، ثم الحروب التكنولوجية وبسط النفوذ من خلال الفضاء السيبرانى وانتهاء بالحروب على أدمغة الكتل الكبيرة من الجماهير وتحريكها بالريموت كونترول لتدمير أوطانها أو تحقيق أهداف أعدائها وهى تتبنى الشعارات البراقة، ظنا منها أنها تحسن صنعا  ، ولم يكن للأعداء أن ينجحوا فى تحقيق أهدافهم الخبيثة والانتصار فى حروبهم الحديثة التى يشنونها وفق برامج علمية مدروسة ، لولا ضعف بناء الشخصية الوطنية وتجاهل مؤسسات الدول العربية العمل المكثف على هذا الهدف خلال العقود الماضية

 وبعد أن اكتوت بلادنا العربية ببرامج الفوضى الخلاقة والتفتيت وتمزيق النسيج المجتمعى والحروب الإثنية والطائفية والانتحار الذاتى ، تعلمنا من الدرس المؤلم ومن الضحايا والخسائر الجسيمة ، كيف أن السبيل الوحيد للنجاة هو الحفاظ على استقرار أوطاننا ومواجهة كافة الدعاوى المشبوهة التى تقصف عقولنا بالكذب والبهتان من وراء شعارات التغيير البراقة، لكننا مع ذلك لابد أن نعترف بقصورنا وتقصيرنا فى تحويل الدرس الذى تعلمناه إلى مناهج وبرامج لتحصين الشخصية المصرية وتقوية مناعتها وزيادة دفاعاتها أمام أشكال الحروب الحديثة، من الشائعات إلى الأخبار الكاذبة والتقارير المفبركة التى تستهدف إفقاد المواطن ثقته فى وطنه وقيادته وتحطيم أحلامه بالنهوض والتنمية وإحباطه وتثبيط همته

وفى هذا الإطار ، لفت نظرى الجهد الكبير المبذول فى كتاب " بناء الشخصية الوطنية" الصادر عن وزارة الأوقاف ، لمجموعة من العلماء الأجلاء وتقديم الدكتور محمد مختار جمعة ، تصدوا لمجالات بناء الشخصية فى دوائر تفاعلها المختلفة بدءا من الأسرة إلى المدرسة والجامعة ومؤسسات الدولة المختلفة ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدنى  ، وفى مقدمة هذه الدوائر والمؤسسات،  المؤسسة الدينية ، المنوط بها بحكم تأثيرها البالغ فى الشخصية المصرية أن تعيد النظر فى مناهجها الدعوية حتى تستطيع مواكبة العصر وأن تخاطب الأجيال الجديدة بلغة عقلانية يفهمونها ويتجاوبون معها مع عدم إغفال الأسس الثابتة الكفيلة بحماية الوطن والمواطنين

الكتاب بدءا من تقديم وزير الأوقاف والتصدير بتوصيات المؤتمر التاسع والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية ووثيقة القاهرة للمواطنة وتجديد الخطاب الدينى ، وانتهاء بفصول الكتاب المتنوعة ، يعتبر جهدا بحثيا كبيرا نحن فى أمس الحاجة إليه ، كما أننا فى أمس الحاجة لتحويل هذا الجهد البحثى إلى برامج تدريبية مبسطة وسهلة وأنشطة تفاعلية يمكن من خلالها مخاطبة عقول الصغار والشباب والكبار وبناء شخصيتهم على الثوابت الوطنية وعلى مواجهة كل أشكال الحروب الحديثة المفروضة علينا.

جميل أن يتحدث وزير الأوقاف فى تصديره للكتاب عن ضرورة  الإيمان بمبدأ المواطنة  والحرص على تطبيقه ، وكذا تأكيده على أن العلاقة بين الدين والدولة ليست علاقة عداء ولن تكون على أساس أن الدولة الرشيدة صمام أمان للتدين الرشيد ، وكيف لنا أن نفرق بين تعاليم الدين الحق وتوجهات الجماعات الإرهابية ، لكن هذه الأفكار النبيلة تحتاج إلى أن تتحول على أيدى خبراء متخصصين إلى برامج ومهارات إعلامية وتعليمية يفيد منها الشباب فى مختلف المراحل التعليمية كما يفيد منها أيضا الدعاة والقائمين على وسائل الإعلام المختلفة

وجميل أيضا أن نصدر الكتاب بتوصيات المؤتمر التاسع والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بما تضمنته من ضرورة التفرقة بين الثابت والمتغير على أساس أن إنزال الثابت منزلة المتغير هدم للثوابت وإنزال المتغير منزلة الثابت عين الجمود والتحجر ، وكذا ضرورة التفرقة الواضحة بين ما هو مقدس وما هو غير مقدس من آراء بشرية وفتاوى مرهونة بزمانها وأحكام جزئية ، وأيضا ضرورة الانتقال من مناهج الحفظ والتلقين إلى مناهج الفهم والتحليل ، لكن السؤال الكبير هنا : كيف نترجم هذه الأفكار السامية والتوصيات المهمة للغاية إلى وسائل وبرامج تجتذب الشباب ومهارات يمتلكها الدعاة والإعلاميين وكل من يقف على ثغر من ثغور الوطن فى مواجهة الهجمات الاستعمارية الجديدة

التحية والتقدير للعاملين كافة على هذا الكتاب المرجع والجهد الفكرى المتميز بوزارة الأوقاف ، ولكننا ننتظر أن يكتمل هذا الجهد على أيدى خبراء الإعلام والتدريب والتواصل ليتحول إلى مجموعات من البرامج والمهارات التى يمكن أن تفيد الأجيال الطالعة والدعاة والإعلاميين .

 

 







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة