"الكتاتيب" كانت بمثابة كلمة السر في تصدير الرموز والشخصيات العامة للمشهد، بعدما تعلموا فيها أصول القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، وتدرجوا بعدها في مراحلهم التعليمية وصولاً للحصول على مؤهلات عليا، ثم شغلوا أماكن مرموقة في المجتمع.
مع شروق شمس جديدة كل يوم، كنا نتحرك مع شعاعها، نحو "الكتاتيب" المنتشرة في قريتنا بالصعيد، حيث نتجمع حول الشيخ أو "سيدنا" كما كنا نطلق عليه، نحفظ القرآن الكريم ونتعلم قواعد القراءة والكتابة وحل المسائل الحسابية، بطرق تقليدية، مازالت عالقة في عقولنا ووجداننا.
ذهاب الطفل للكُتاب كان بمثابة فرحة تملأ المنازل البسيطة بصعيدنا الطيب، فقد خط الطفل أولى خطواته نحو التعليم، وفي طريقه لشغل منصب أو وظيفة تُسعد أسرته، الذين كانوا أشد حرصاً على التعليم، فمبجرد أن يعرف الطفل ينطق بالحروف الأولى من كلماته يتوجهون به مباشرة نحو الكُتاب للإتفاق مع "الشيخ" على تعليمه، لينضم لحلقات حفظ القرآن الكريم منذ نعومة أظافره.
صغر السن والقراءة في مشهد جماعي، كان يساعد الصغار على الحفظ والإستيعاب، خاصة عندما يلوح "الشيخ" بالعصا، فيزيد تركيز الصغار، وتصدح ألسنتهم بالقرآن الكريم مع نسمات الصباح الباكر، فيحفظون القرآن الكريم في سن مبكر، ويعرفون قواعد القراءة والكتابة قبل ذهابهم للمدارس.
القائمون على "الكتاتيب" في قريتنا، كانوا يمارسون دورهم دون مقابل مادي، هدفهم إعداد جيل متعلم ومثقف، لا يكتفون بتعليمهم القراءة والكتابة والحساب، وتحفيظ القرآن الكريم، لكن تشغل القصص الدينية والإنسانية والشعر مساحات كبيرة في عقول الصغار، ويعودون لأسرهم يعودون سرد هذه القصص لهم.
في "كتاتيب" قريتنا "شطورة" بشمال سوهاج، لدى "الشيخ هدهد، ومحمد أبورية، وحب النبي التمساح، وعبد الحليم أبو القاسم، ومحمد حسن، وعلاء على الدين، وعلى سديرة، وحمدي الخطيب، وغيرهم، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، "تعلمت أجيال، وخرجت هذه القرية ما يربو على 500 أستاذ جامعي و200 صحفي، ومستشارين وضباط شرطة وأطباء وصيادلة ومهندسون وعلماء دين ومعلمين وغيرهم، وعندما اختفت "الكتاتيب" تراجع التعليم في قريتنا، ولم تستطيع المدارس الخاصة القيام بدور "الكُتاب"، حيث إهتمت بالأنشطة والترفيهة على حساب التعليم.