سنوات كانت هناك أسئلة تتعلق بعلاقة مصر مع أفريقيا، وعلاقة القارة بمصر، ضمن تساؤلات ظلت معلقة تحمل الكثير من علامات الاستفهام، وخلال خمس سنوات فقط عادت مصر بقوة إلى أفريقيا وعادت دول القارة إلى مصر، عودة لا تتوقف عند الشعارات أو المطالبات، لكنها تقوم على المصالح المتبادلة لدول القارة ووضع استراتيجيات تضمن مصالح القارة بشكل عام من دون تجاهل لمصالح الدول التى تحتاج للمساندة.
وخلال الفترة التى تراست فيها مصر الاتحاد الأفريقى، وبالرغم من المهام الداخلية والإصلاح الاقتصادى الصعب، فقد نجحت مصر فى عقد عدة فعاليات على مستوى رؤساء الدول، شرقا وغربا وشمالا وجنويا، فقد عقد منتديات شاركت فيها أفريقا مع الصين واليابان وروسيا وأوروبا، حيث جرت حوارات واتفاقات على مستويات عليا، كانت مناسبة لطرح القضايا الأفريقية الاقتصادية والتنموية على مراكز وأطراف القرار فى العالم، وحرصت مصر على أن تطرح أفريقيا قضاياها ذات الأولوية التى تستند إلى واقعها واحتياجاتها، وفرصها ومطالبها.
ومن الصعب على مراقب منصف أن يتجاهل حجم ما تحقق من منتديات أفريقا مع القوى الفاعلة فى العالم اقتصاديا وسياسيا، بحيث لا تبقى القارة مجرد مصادر للمواد الخام، لكنها تقدم نفسها باعتبارها مكانا للفرص، لنفسها وللعالم، وهى تحركات تقوم على استيعاب للتحولات الدولية والقارية ومراكز القوة الاقتصادية والمالية بالعالم.
وآخر الخطوات المهمة كانت نجاح مصر فى تنظيم منتدى الاستثمار فى أفريقيا بالعاصمة الإدارية الذى عقد على مدى يومين تحت رعاية الرئيس السيسى بمشاركة نحو 2000 من قادة الأعمال فى العالم، والشركات الكبرى وشهد المنتدى توقيع اتفاقيات تجارية واستثمارية مهمة، وتوقيع عقود بـ3 مليارات دولار، كما أتاح الفرصة لقيادات الأعمال أن تتعرف على الفرص المتاحة أمامها، والشروط التى يفترص أن تلتزم بها وهى تفكر فى الاستثمار فى القارة.
بالطبع فإن الاقتصاد يقوم على الربح لكل الأطراف، ثم إن التفاوض الجماعى يختلف عن التفاوض الفردى، وهو ما تحرص عليه مصر وهى تتحرك فى محيطها الأفريقى والدولى، لقد كانت هناك طوال العقود الماضية أسئلة عن سبب انسحاب مصر من أفريقا وابتعاد القارة عن مصر، بالرغم من أن مصر كانت وراء حركات التحرر الأفريقى فى الخمسينيات والستينيات، فضلا عن تأسيس الاتحاد الأفريقى، والعلاقات التجارية والتعليمية القوية، خاصة أن هذا ارتبط بصعود قوى العالم الثالث فى منظمات مثل عدم الانحياز التى قامت على أساس الاستقلال عن القوى العظمى، ودعم حركات التحرر الأفريقية عن الاستعمار، فضلا عن التعاون فيما يتعلق بالتبادل التجارى ودعم التنمية، كان الرئيس جمال عبد الناصر يعتبر الدائرة الأفريقية أحد ثلاث دوائر تتمثل البعد الاستراتيجى لمصر سياسيا واقتصاديا.
وبعد عقود من التراجع، عادت مصر إلى أفريقيا، بمراعاة كاملة للخصوصيات والتحولات الدولية والإقليمية فى توازنات القوة، وفى نفس الوقت انطلقت دول القارة من هموم ومشكلات واحدة، تتعلق بالتنمية والتطور العلمى والاقتصادى ومواجهة الفساد وإعادة بناء أنظمة إدارية فاعلة.
وبالطبع فإن هذا التحرك من مصر للقارة، يلقى استجابة وترحيبا، لكونه يقوم على الندية والمصالح المشتركة، ويفتح قنوات الاتصال بين القطاع الخاص فى مصر والدول الأفريقية، وتبادل الخبرات وتنشيط حركة التجارة البينية، وأيضا تجارة القارة مع الدول والتجمعات الكبرى.
هناك واقع جديد تبنيه مصر بإرادة حقيقية، وتصحح به أخطاء عقود سابقة، وتعيد بناء جدران الثقة السياسية والاقتصادية، والثقة والمصالح المتبادلة، أساس أى علاقات ناجحة إقليميا ودوليا.