صفقة ما تبدو فى طور الإعداد بين رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون ورئيس حزب "بريكست" نايجل فاراج، قبل انطلاق الانتخابات البرلمانية المبكرة، والتى من المقرر انطلاقها فى ديسمبر المقبل، بناء على اقتراح الحكومة البريطانية، خاصة وأن البيئة تبدو مهيأة تماما لذلك، فى ظل نقاط الاتفاق الكبيرة بين الرجلين، فى المرحلة الحالية، فيما يتعلق بالموقف الحاد الذى يتبناه كلا منهما تجاه الاتحاد الأوروبى، وهو ما يتجاوز نقاط الخلاف فيما بينهما، والتى تدور حول ما إذا كان الخروج من التكتل القارى ينبغى أن يتم باتفاق أو بدون ذلك، حيث يعارض فاراج أى اتفاق مع قادة القارة العجوز، وهو ما يتطابق تماما مع الرؤية الأمريكية، والتى يتبناها الرئيس دونالد ترامب، وأعرب عنها فى أكثر من موقف سابق، خاصة خلال حقبة رئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماى.
ولعل القرار الذى اتخذه رئيس حزب "بريكست" بعدم خوض الانتخابات المبكرة، يمثل فرصة، أو ربما منحة، لرئيس الوزراء البريطانى، فى ظل حالة الضعف التى يعانيها حزب العمال المعارض، ورئيسه جيريمى كوربين، مع تواتر الاتهامات التى تلاحقه حول معاداة السامية، بالإضافة إلى الحديث عن عدم قدرته على قيادة بريطانيا فى المرحلة المقبلة ليس فقط لاستعادة أغلبيته المفقودة فى البرلمان فى ظل حالة الانشقاق الذى ضرب صفوف حزب المحافظين، والذى يتزعمه جونسون، بل والسيطرة على ما يمكننا تسميته بـ"التيار المتمرد" داخل الحزب، وبالتالى السيطرة على البرلمان، لتمرير الصفقة التى يرغب فى الحصول عليها للخروج من الاتحاد الأوروبى، دون أى تأجيل جديد.
الانتخابات المبكرة.. وإعادة هيكلة البرلمان
محاولة جونسون لتركيع البرلمان البريطانى ليست بالأمر الجديد تماما، حيث سعى إلى توقيفه لمدة 45 يوما، بقرار من الملكة إليزابيث، دون جدوى، بسبب حكم قضائى أصدرته المحكمة العليا البريطانية، بينما لجأ إلى استرضاءه بعد ذلك عبر طلب تأجيل الخروج، فى خطاب وجهه إلى رئيس المجلس الأوروبى دونالد توسك، دون توقيع، احتراما للقانون، ولكنه أكد فى الوقت نفسه أن طلبه يأتى فى إطار احترام القانون البريطانى، وذلك فى أعقاب رفض الاتفاق فى المرة الأخيرة قبل 3 أسابيع، إلا أن المحاولات جاءت دون جدوى، حيث رفض البرلمان بعد ذلك عرض الاتفاق للتصويت عليه مجددا فى 21 أكتوبر الماضى، فيما وصفه قطاع كبير من المتابعين بـ"الصفعة" التى تلقاها رئيس الوزراء البريطانى.
يبدو أن مساعى جونسون لعقد انتخابات برلمانية مبكرة تمثل محاولة جديدة فى عزل البرلمان البريطانى، على الأقل بشكله الحالى، بعدما فشل فى تحييده تماما، عبر إعادة هيكلته من جديد، من خلال الانتخابات الجديدة، خاصة وأنه بإمكانه اختيار مرشحى حزبه بعناية، وبالتالى السيطرة على قرار البرلمان ومواقفه تجاه أكثر القضايا الشائكة فى تاريخ بريطانيا، عبر عزل، على الأقل قطاع من المناوئين له، من خلال استبعادهم من ترشيحات الحزب بالإضافة إلى التعاون مع حزب "بريكست"، والذى يتزعمه فاراج، والذى من المتوقع أن يحظى بعدد مقبول من المقاعد، إذا ما قرر خوض الانتخابات المقبلة، وهو ما يسمح بتحالف محتمل.
منزلق ماى.. الانتخابات فرصة للسيطرة على حزب المحافظين
وهنا يمكننا القول بأن رئيس الوزراء البريطانى يحاول تفادى المنزلق الذى تسبب فى سقوط ماى، قبل شهور، والتى سعت إلى مهادنة البرلمان، والذى أطاح بها فى نهاية المطاف عبر الرفض المتواتر للاتفاقات التى تواصلت إليها مع زعماء أوروبا، ليجبرها على الاستقالة من منصبها، فى نهاية كانت مأساوية للمرأة، التى نظر إليها البعض فى بداية حقبتها باعتبارها امتدادا للزعيمة البريطانية التاريخية مارجريت تاتشر.
وعلى الجانب الأخر، تمثل الانتخابات البرلمانية المبكرة، والتى تعد الأولى من نوعها منذ عام 1923، فرصة لإنهاء حالة الانقسام داخل صفوف الحزب الحاكم، حيث أنها تفتح الباب أمام جونسون لفرض قبضته على مقاليد الأمور بالكامل فى الداخل، حيث يمكنه الإبقاء على الأعضاء الذين يدورون فى فلكه، بينما يستبعد المناوئين، ليس فقط فيما يتعلق بترشيحات الحزب للبرلمان الجديد، ولكن ربما من أى دور سياسى فعال فى المستقبل القريب، خاصة وأن فوزه فى الانتخابات المقبلة هو بمثابة مباركة شعبية لكافة التوجهات التى يتبناها الرجل، وعلى رأسها موقفه الحاد من الاتحاد الأوروبى، ومسألة الخروج منه، حتى لو تم ذلك بدون اتفاق.
صفقة محتملة.. مباركة أمريكية
إلا أن السيطرة على حزب المحافظين ربما لا تكفى جونسون، حيث يسعى إلى الهيمنة عبر صفقة مع الأحزاب البريطانية الوليدة، وعلى رأسها حزب "بريكست"، والذى يبدو متوافقا تماما مع رؤى رئيس الوزراء البريطانى، خاصة فيما يتعلق بالموقف الحاد من أوروبا، ليشكلون معا تحالف محتمل، سوف ينال دعما كبيرا من الولايات المتحدة، التى قدمت وعودا سخية من قبل الرئيس دونالد ترامب، تتعلق بعقد اتفاق تجارى تاريخى بين واشنطن ولندن، إذا ما أقدمت الأخيرة على الخروج الاتحاد الأوروبى دون مواربة، خاصة وأن سياسات ماى المهادنة للقارة العجوز أغضبت ترامب بصورة كبيرة، إلى الحد الذى دفعه إلى دعوتها بمقاضاة التكتل القارى، وليس التفاوض معه.
المباركة الأمريكية للتحالف المحتمل تجلت بوضوح فى تصريحات الرئيس الأمريكى الأخيرة، والتى أكد فيها دعمه لجونسون، معتبرا إياه الرجل المناسب للمرحلة الحالية، فى الوقت الذى يعد فيه زعيم حزب بريكست نايجل فاراج صديقا شخصيا له، وهو ما ظهر فى مطالبته فور توليه منصبه بتعيينه سفيرا لبريطانيا لدى واشنطن، وهو الأمر الذى رفضته ماى فى ذلك الوقت، وهو ما يعكس محاولة ترامب التقريب بين الرجلين، عبر إيجاد دور فعال لصديقه فى حكومة جونسون، فى ظل التوقعات الكبيرة التى تدور حول فوز رئيس الوزراء البريطانى بالانتخابات المقبلة.