لو كان أى شخص قال إن مصر سوف تنتصر على فيروسى الكبد الوبائى سى قبل عشر سنوات، لم يكن أحد ليصدق وربما اعتبره الناس مجنونا، فقد كانت التقارير والإحصائيات تؤكد ارتفاع نسبة العدوى، وتضاربت أرقام المرضى وحاملى الفيروس لتصل فى بعض الإحصائيات إلى 15 مليوناً، وقد توفى بسبب فيروس سى مئات الآلاف فى الفترة من منتصف الثمانينيات حتى خمس سنوات، وفقد آلاف الشباب حياتهم، بل ووظائفهم فى الخارج بسبب الفيروس، ومن تابع الملف الطبى خلال التسعينيات كان يتلقى تقارير متشائمة عن أسباب انتقال الفيروس، واحتمالات ارتفاع أعداد المصابين من دون أفق للمواجهة.
وللأسف قامت حول الفيروس أنواع وأشكال من الاستغلال والمافيا، استغلت حاجة المرضى ويأسهم وسعت لترويج أدوية وهمية، وأنواع من العلاج بالأعشاب أو بول الإبل وخلافه، فضلا عن عيادات ومراكز تحاليل كانت تستحلب المرضى وتضاعف آلامهم، ويومها كان الحديث عن علاج نهائى للفيروس نوعاً من الخيال والجنون.
لكن خلال خمس سنوات فقط بدأت مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسى لعلاج فيروس سى، وتم عقد اتفاقات للحصول على السوفالدى والذى كان أهم الأدوية لعلاج الفيروس سى، لكن كان سعره المرتفع يقف حائلا، وما يزال يباع بآلاف فى دول مختلفة، تفاوضت مصر وقدمته بالمجان ضمن حملة الكشف والعلاج التى ساهمت فى شفاء ملايين المرضى الذين أصابهم اليأس ومنحتهم الحملة أملا.
نقول هذا بمناسبة الشهادة التى تقدمها منظمة الصحة العالمية لمصر بخلوها من مرض فيروس سى، خلال فعاليات الجمعية العامة المقبلة للمنظمة، ووصفت المنظمة العالمية حملة مصر بأنها أكبر حملة فى تاريخ البشرية من حيث العمل، والكفاءة، والسرعة، تقرير المنظمة الدولية صدر بعد رصد استمر 7 أشهر، وقام به 55 خبيرا دوليا تابعوا حملة مصر. ووصف ريتشارد ديكتس، المنسق المقيم للأمم المتحدة فى مصر، حملة القضاء على «فيروس سى» بأنها أفضل حملة فى العالم ومثالا يحتذى به.
نجاح حملة فيروس سى أنها اعتمدت على مبادرة الرئيس، وتجاوزت الكثير من الإجراءات والبيروقراطية التى ما تزال تعشش فى دهاليز الصحة، وربما تكون الصحة بحاجة إلى التعلم من حملة الفيروس سى، خاصة أنه تم إطلاق حملات أخرى ضمن مبادرة 100 مليون صحة للكشف المبكر عن السكر والدهون والسمنة، فضلا عن حملات للكشف المبكر عن سرطان الثدى، وهناك حملة جديدة للكشف عن الفشل الكلوى، وتهدف إلى اكتشاف كل الأفراد المحتمل إصابتهم بالفشل الكلوى.
كل ما تابع مسيرة وتوغل فيروس سى الكبدى فى مصر يقدر قيمة الحملة التى حظيت بإشادة وتقدير من كل المؤسسات الصحية الدولية وطلبت نقلها والتعلم منها فى دول مختلفة، خاصة أن بعض الدول الأخرى أطلقت حملات لم تؤد لنفس النتيجة.
من رأى وشاهد الفيروس وحجم من راحوا من الشباب ضحايا للفيروس يقدر قيمة الحملة والحملات المماثلة، لقد بدا فيروس سى قدرا يبدو العلاج منه مستحيلا، خاصة للفقراء وغير القادرين، بل وأيضا لبعض القادرين كانت تكاليف العلاج لمجرد تقليل الأعراض تصل للآلاف، لكن تم تقديم الكشف والعلاج بالمجان لمئات الآلاف، فى حملة أثبتت أن هناك إمكانية لو توافرت الإرادة، وربما تكون وزارة الصحة بحاجة للتعلم من الحملة والحملات التى أطلقها الرئيس، وكانت تحقق وماتزال نجاحا كبيرا. ليس فقط بشهادة الخارج، لكن بشهادات كل من تلقوا الكشف والعلاج، وتم شفاؤهم من الفيروس اللعين.