بدأ الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون زيارته الثانية إلى الصين، وسط مخاوف أوروبية من احتمال إبرام اتفاق بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب والرئيس الصينى شى جين بينج، بعد ظهور مؤشرات هدنة تجارية وشيكة بين واشنطن وبكين، حيث تخشى أوروبا أن تكون الخاسر الأكبر بعد هذا الاتفاق، لذلك تكتسب زيارة ماكرون فى هذ التوقيت أهمية كبيرة لا سيما فى ضوء الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، والتى سيكون لها تداعيات واضحة على أوروبا وحصتها فى التجارة العالمية.
وتستمر زيارة الرئيس الفرنسى للصين 3 أيام ويجرى مباحثات مع نظيره الصينى فى سادس لقاء بينهما خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ويشارك ماكرون كضيف شرف فى افتتاح وفعاليات معرض الصين الدولى الثانى للاستيراد فى مدينة شنغهاى، اليوم الثلاثاء، وتعد هذه الزيارة الثانية "لماكرون"، حيث زار الصين لأول مرة يناير عام 2018، كما استقبل نظيره الصينى شى جين بينج فى فرنسا مارس الماضى.
دبلوماسية الحصان
وتشهد العلاقات الفرنسية الصينية تقاربا كبيرا، حيث ركزت زيارة ماكرون الأولى للصين، على أهمية العمل سويا فى مبادرة "الحزام والطريق" التى أطلقتها بكين، وتعتزم تنفيذها لبناء طريق حرير برى من السكك الحديدية والطرقات، يمكِّن بكين من الوصول إلى أفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندى.
كما قدم ماكرون فى لفتة دبلوماسية غير مسبوقة، خلال الزيارة حصانا من جياد الحرس الجمهورى الفرنسى لنظيره الصينى، وهذه الهدية اعتٌبرت سابقة فى التاريخ الفرنسى، حيث أنها المرة الأولى التى يقدم فيها رئيس فرنسى أحد جياد فرقة الفرسان هدية، وهو ما أسمته بعض وسائل الإعلام وقتها بـ "دبلوماسية الحصان".
ماكرون
زيارة ماكرون يطغى عليها البعد التجارى
ووقع اختيار ماكرون على الحصان بعد أن أبدى الرئيس الصينى افتتانه بفرقة الفرسان التى رافقته خلال زيارته إلى باريس عام 2014، كما أنها مثلت رداً على "دبلوماسية الباندا" الصينية بعد أن أصبحت بريجيت زوجة ماكرون عرابة لحيوان الباندا الصينى الذى أعارته بكين لحديقة حيوان قرب باريس.
ويحرص ماكرون على فتح المجال بدرجة أكبر لعمل الشركات الفرنسية في أسواق الصين، حيث يشارك 70 شركة فرنسية فى "معرض الواردات" بمدينة شنغهاى، وهو معرض تجارى يهدف إلى إظهار انفتاح الصين على الأسواق العالمية فى إطار الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
ويرافق الرئيس الفرنسى خلال زيارته التى يطغى عليها البعد التجارى، الوزيرة الألمانية المكلفة بالأبحاث أنيا كارليتشك والمفوض الأوروبى الإيرلندي فيل هوجن الذي سيتولى حقيبة التجارة في المفوضية الأوروبية الجديدة، لتعزيز التعاون الأوروبى المشترك لمواجهة الولايات المتحدة والصين في الملفات الاقتصادية خصوصا، حيث قال ماكرون بعد ساعات على وصوله إلى شنغهاى "هناك أجندات وطنية لكن إذا استخدمنا الورقة الفرنسية-الألمانية وخصوصا الأوروبية ستزداد مصداقيتنا وستكون نتائجنا أفضل"، مؤكدا أنه يريد بذلك أن يثبت بأن "تعاونا أوروبيا" أكبر ضرورى فى مواجهة العملاقين الأمريكي والصيني "في إطار دولي يزداد صعوبة".
ماكرون
ماكرون يسعى لتشكيل جبهة اوروبية موحدة
وفى ضوء ذلك يسعى ماكرون خلال زيارته إلى تشكيل جبهة أوروبية موحدة من خلال ضم المفوض التجارى الأوروبى الجديد فيل هوجان، ووزيرة التعليم والبحوث الألمانية أنيا كارليتشيك كممثلة للمستشارة أنجيلا ميركل، بالإضافة إلى ممثلين عن الشركات الألمانية.
ويخشى الأوروبيون من أن يشكل ترامب اتفاقا مع نظيره الصينى، فى إطار سعى الأول لإعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية، وأن يستخدم هذا الاتفاق كورقة دعاية للترويج له أثناء حملته الانتخابية باعتبارها "صفقة من الدرجة الأولى.
وكان ترامب قد أعلن في وقت سابق أن واشنطن وبكين اتفقتا على المرحلة الأولى من اتفاق للتجارة، شملت المشتريات الزراعية والعملة، فضلا عن بعض جوانب حماية الملكية الفكرية، وكان هناك توقعات بتوقيع هذه المرحلة من الاتفاق خلال قمة تشيلي الشهر الجاري، ولكن تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى بعد إلغاء القمة نتيجة الاحتجاجات التي تشهدها الدولة المضيفة.
ماكرون
خبراء: قرار بين واشنطن وبكين لا يمكن أن يكون مجرد صفقة عادى
ويرى المراقبون أن أي قرار بين واشنطن وبكين لا يمكن أن يكون مجرد صفقة عادية تقتصر تداعياتها على الطرفين، ولكنه يمثل معضلة للأوروبيين حيث أنه يهدد مصالحهم ويؤثر سلبا على حصتهم في التجارة العالمية.
فعلى سبيل المثال، استخدم ترامب مسألة التعريفات الجمركية كورقة ضغط لإجبار الصين على إبرام صفقة تحل الخلاف بين البلدين،
وتخشى دول الاتحاد الأوروبي أن يستهدف هذا الاتفاق قطاعات مثل السيارات الأوروبية لانتزاع تنازلات مماثلة من بروكسل، حيث عبر ماكرون، خلال قمة مجموعة السبع أغسطس الماضي، عن مخاوف أوروبية بشأن وقوع صفقة بين واشنطن وبكين، ملمحا إلى مخاطر مثل هذا التقارب، ورغم ترحيبه بقرب اتفاق بين الولايات المتحدة والصين، أصر ماكرون على ضرورة مراعاة مصالح أوروبا.
الرئيس الصينى يسعى لتعزيزعلاقاته مع الأوروبيين
من جهته يرى خبير الشئون الصينية جان بيان كابستان من جامعة هونج كونج المعمدانية أن الهجوم الأمريكي يدفع بالتأكيد الصينيين إلى التقرب من فرنسا، وكذلك من ألمانيا وبريطانيا.
لكنه قال إنه "من السذاجة أن يعتقد الأوروبيون أن بإمكانهم التحالف مع الصين ضد (الرئيس الأمريكي دونالد) ترامب" حسبما نقلت "فرانس 24".
وفى سياق ذلك يسعى الرئيس الصينى إلى تعزيز علاقاته مع الأوروبيين فى وقت يسجل اقتصاد بكين تباطؤا تفاقم بفعل الحرب التجارية مع الولايات المتحدة.
ماكرون يفتتح مركز "بومبيدو ويست باند ميوزيوم بروجكت"
ومن المنتظر أن يفتتح ماكرون الثلاثاء مركز "بومبيدو ويست باند ميوزيوم بروجكت" في شنغهاي، وهو أول فرع للمتحف الباريسي الشهير خارج أوروبا، وتبلغ مساحته 2100 متر مربع ويضم مجموعة من التحف الفنية، ويتناول ماكرون الغداء بعدها مع فنانين صينيين يعمل بعضهم في فرنسا، بمشاركة الممثل والمخرج الفرنسي غيوم كانيه الذي يرافقه خلال هذه الزيارة.
وفي اليوم الأخير للزيارة، يجري الرئيس الفرنسي ونظيره الصيني مباحثات رسمية في بكين لمناقشة العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها تغير المناخ والتنوع البيولوجي، والملف النووي الإيراني ومستقبل العلاقات الأوروبية الصينية.
كما يُتوقع أن تشهد الزيارة توقيع نحو أربعين عقدا في مجالات الأغذية والصحة والسياحة وغيرها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة