انتشرت فى الفترة الأخيرة عدد من الشركات الخاصة التى تطلب شباب حديثى التخرج ومؤهلات عليا ومتوسطة وغيرها للعمل لديها، وهو واجب وطنى للقطاع الخاص، غير أن البعض من أصحاب الضمائر الغائبة أخذوا يتلاعبون بأحلام الشباب ويستغلون حاجتهم للعمل لاستقطابهم واستنزاف أموالهم بزعم ملء استمارات التوظيف "الأبلكيشن"، أو إجراء رسوم المقابلات الشخصية للقبول بالوظيفة.
"أحمد فؤاد"، 33 سنة، حاصل على دبلوم صناعى، من محافظة المنوفية قال إنه بعدما قرأ إعلان لإحدى شركات الأمن الخاصة أثناء مشاهدته فيلمًا بإحدى القنوات الفضائية وسارع بالتقاط رقم التليفون الخاص بها فقد كان واضحًا على شريط الإعلانات الخاص بالقناة، واتصل بهم فورًا فأعطوه موعدًا لإجراء مقابلة شخصية.
وأضاف أحمد لـ "اليوم السابع":"فى السادسة من صباح اليوم التالى للمكالمة وحسب الموعد المحدد لملمت أوراقى الشخصية مثل صور ضوئية للبطاقة الشخصية وشهادة الدبلوم وشهادة تأدية الخدمة العسكرية واتجهت نحو موقف سيارات الأجرة المتجهة إلى القاهرة واستقللت السيارة.. وطوال الرحلة أحاول جاهدًا أن أجمع إجابات للأسئلة التى توقعت توجيهها إلى خلال المقابلة الشخصية إلى أن وصلت إلى موقف عبود".
"الغريب أعمى ولو كان بصير".. هكذا استطرد أحمد: "من موقف عبود توجهت إلى منطقة المهندسين فى القاهرة حيث مقر الشركة، وهناك اتصلت بهم مرة أخرى لأننى توهت وأرسلوا لى رسالة نصية بها العنوان تفصيليًا والموقع على خريطة جوجل، وبالفعل وصلت لمقر الشركة ووجدت نفسى أمام طابور طويل من الشباب تشبه ملامحهم ملامحى فكلنا جئنا لنفس الهدف".
واستكمل الشاب الثلاثينى حديثه: "بعد مرور قرابة الساعة وصلت إلى إحدى الموظفات بالشركة وسلمتها الأوراق لكنها لم تعيرها أهمية حيث وضعتها داخل ظرف وطلبت منى سداد مبلغ 450 جنيها مقابل استمارة التوظيف "الأبلكيشن" لاستكمال الطلب ولم أجد أمامى سوى الدفع فقد وصلت أخيرًا من المنوفية وانتهيت بعد عذاب تحت أشعة الشمس من طابور المتقدمين للوظيفة".
استرجع أحمد آخر 15 دقيقة قضاها داخل الشركة قائلًا: "بعدما دفعت ثمن الأبلكيشن وملأته دخلت حجرة المقابلة الشخصية وكان بها رجلان تبدو عليهما علامات الهيبة والوقار سألونى سؤالين فقط ماذا كنت أعمل سابقًا وأين أقيم؟ وخرجت من الحجرة وبعد 5 دقائق صاحت باسمى الموظفة التى سددت لها ثمن الأبلكيشن بابتسامة عريضة لكنها لم تستطع إخفاء اصطناعها قائلة: "ألف مبروك تم قبولك للعمل بالوظيفة"، وفرحت كثيرًا وقالت ستمضى العقد الآن كفرد أمن بإحدى الشركات فى العاصمة الإدارية الجديدة براتب شهرى 1800 جنيه".
بعيون ممتلئة بالدموع أضاف أحمد: "كان الطقس مازال حارًا قبل الموجة الأخيرة للأمطار التى شهدتها القاهرة ورغم ذلك شعرت وكأنى قد أغرقت فى بحر من الثلج، وتلعثمت فى الكلام وأنا أؤكد لها أنهم أعلنوا أن راتب الوظيفة 4800 جنيه، فكان الرد أنهم لم يعلنوا ذلك وأنه ربما أخطأت أنا حينما شاهدت الإعلان".
واختتم أحمد: "تمالكت نفسى واستجمعت الكلام وبدأت فى التشاجر معهم لفظيًا واتهمهم بالنصب وأطالب بثمن الأبلكيشن والمفاجأة أننى لم أكن وحدى الذى فوجئ بذلك ولكن جميعًا خرج من الشركة بخفى حنين فلم نستطع استرداد الـ 450 جنيها ولا قبلنا بالوظيفة ذات الـ 1800 جنيه".
بينما أحمد فؤاد لم يكن أول ولا آخر شاب يقع ضحية لمثل هذه الشركات الوهمية والتى تتفنن فى اللعب بأحلام الشباب وخداعهم بزعم توفير فرص عمل بمرتبات مجزية، الأمر الذى يتطلب تدخل ووضع شروط وقيود على إعلانات الشركات وهو ما يؤكده اللواء مجدى البسيونى، مساعد وزير الداخلية الأسبق، والخبير الأمنى.
وأضاف البسيونى، لـ "اليوم السابع": "الإعلانات التى تطرح عبر الفضائيات واجبة التنفيذ ومجرد الإعلان عن شروط معينة للحصول على الوظيفة تعتبر جزء من العقد سواء كانت هذه الشروط تتعلق بالراتب أو المؤهل مثلا".
وفيما يتعلق بالشركات التى تعلن عن حاجتها لأفراد أمن تحديدًا يرى مساعد وزير الداخلية الأسبق، ضرورة أن تخضع هذه الشركات لرقابة أمنية صارمة لأن مثل هذه الوظائف لا تقل أهمية عن وظائف حيوية كثيرة ففرد الأمن مسئول عن تأمين أماكن حيوية مثل المراكز التجارية والبنوك وغيرها، لذلك يجب أولا اختيارهم بعناية فائقة وأن يكون لهم مواصفات خاصة، حتى نتدارك اختبار رجال أمن مسنين وغير لائقين صحيًا وطبيًا.
وتابع البسيونى:"وضع هذه الشركات تحت أشراف الأجهزة الأمنية سيقنن عمليات النصب على الشباب، فحينما تريد الشركة الإعلان عن وظائف جديدة تحدد العدد المطلوب والشروط والراتب ويتم الإعلان بشكل رسمى وبالتالى نضمن عدم النصب على الشباب"
واقترح مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن يتم تدريب أفراد الأمن الإدارى لهذه الشركات بمعرفة رجال الشرطة، قائلًا:"يجب تدريبهم على حمل السلاح والحس الأمنى حتى يكون فرد أمن على قدر المسئولية".
فيما أكد محمد الريس، محامى متخصص فى قضايا الشركات، إنه يمكن للمتضررين من هذه الشركات التى تنصب على الشباب اللجوء إلى القضاء حتى ولو لم يكن معهم مستندات لذلك، قائلًا: "يجب عليهم التقدم وعمل محضر جماعى لإثبات تعرضهم للنصب".
وأضاف الريس، لـ"اليوم السابع"، أنه يمكن للمتضررين إحضار فلاشة أو CD بالإعلان المنشور على التليفزيون والمثبت به أرقام التليفونات الخاصة بالشركة، وإرفاقها بالمحضر، مؤكدًا أنه إذا ثبت للنيابة العامة أو نيابة الأموال العامة صحة الواقعة سيتم تحويلها إلى جنحة نصل تصل عقوبتها إلى 3 سنوات.
إعلان وهمى لإحدى الشركات على التليفزيون
اللواء مجدي البسيوني مساعد وزير الداخلية الأسبق
محمد الريس محامى شركات
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة